:أهم الأخبارمقالات

الإسلام وحقوق الإنسان

أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

لقد كرم الإسلام الإنسان على إطلاق إنسانيته بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه أو عرقه ، فقال سبحانه في محكم التنزيل : ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ ” (الإسراء : 70) ، ولم يقل كرمنا المسلمين وحدهم ، أو المؤمنين وحدهم ، ولا الموحدين وحدهم ، ولا المتدينين وحدهم .

كما حفظ للإنسان ماله وعرضه ودمه ، حيث يقول رسولنا (صلى الله عليه وسلم) في خطبته الشهيرة “حجة الوداع” مخاطبًا الناس جميعًا : ” فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ، هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَبَلَّغْتُ ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ” ، ويقول الحق سبحانه : ” مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ” (المائدة : 32) ، ولما مرت جنازت يهودي على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هبَّ واقفًا ، فقيل له : إنها جنازة يهودي ، فقال (صلى الله عليه وسلم) “أليست نفسًا “؟! .

وعندما قال (صلى الله عليه وسلم) : “لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ” (رواه مسلم) لم يخص (صلى الله عليه وسلم) الجار بكونه مسلمًا أو مؤمنًا أو متدينًا ، وإنما أطلقه عامًا ليشمل كل جار بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه  .

وقال (صلى الله عليه وسلم) : ” الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى الله عَنْهُ ” ، وعندما قال (صلى الله عليه وسلم) : “وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ” ، ذكر لفظ الطريق على الإطلاق ولم يقل طريق المسلمين أو المؤمنين ، وهكذا في سائر ما يتصل بالتعامل مع الناس جميعًا.

وإذا تحدثنا عن أهم الحقوق التي رسختها خطبة الوداع نجد أنها شملت حق الحياة ، وحق الأمن على النفس والمال والعرض ، كما تحدثت بوضوح شديد عن حق المرأة ، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا ” .

وقد طالعت التقرير السنوي للمجلس القومي لحقوق الإنسان “2016-2017” ولفت نظري فيها اتساقه مع هذه المبادئ من حق الحياة وحق الأمن المجتمعي والاقتصادي ، وكان مما ذكره التقرير ما يلي :

1- يُثمن المجلس التضحيات الكبيرة التي يقدمها رجال القوات المسلحة والشرطة لحماية الدولة والمجتمع من الجرائم الإرهابية التي تشكل بطبيعتها أحد أشد انتهاكات  حقوق الإنسان جسامة، كما يثمن مبادرة السيد رئيس الجمهورية لتأسيس مجلس قومي لمكافحة الإرهاب والتطرف تتويجًا للمبادرات المتنوعة في هذا الصدد .

2- ينظر المجلس بتقدير إيجابي لجهود الدولة في حفظ الأمن العام ومكافحة الإرهاب وتعزيز سيادة القانون واستعادة هيبة الدولة .

3- يثمن المجلس الجهود الكبرى التي تبذلها الدولة لتلبية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق التنمية الوطنية الشاملة وبناء مسار تنمية مستدامة .

وهو ما يجعلنا نؤكد وباطمئنان أن الحقوق الطبيعية للإنسان قد رسخها ديننا الحنيف وأكد عليها رسولنا (صلى الله عليه وسلم) منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنًا من الزمان .

ونؤكد أيضًا أن ما دعا إليه سيادة الرئيس في أحاديث متعددة من أن مكافحة الإرهاب حق من حقوق الإنسان بل في مقدمة هذه الحقوق ، كما أن الحق في الحياة الكريمة صحة وتعليمًا وإسكانًا أحد أهم حقوق الإنسان ، كل ذلك مما يستحق كل التقدير من جهة ، ويؤكد أن العمل الجاد على توفير الحياة الكريمة للإنسان هو من أولى أولويات حقوق الإنسان الطبيعية ، مع التأكيد على أنه لا تنمية ولا استقرار إلا بمواجهة حاسمة للإرهاب والقضاء عليه ، وهو ما يجعل من مواجهة الإرهاب أولوية ومن تضافر الجهود للقضاء عليه في مقدمة الواجبات الوطنية ، والتقاعس عن مواجهته أو التستر عليه خيانة وطنية كبرى .

 

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى