معا ضد التكفير والمتاجرة بالدين

أ.د/ محمد مختار جمعة

وزير الأوقاف

 

هذه هي الرسالة الأبرز التي حملها وأكدها ودار في فلكها مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف الذي عقد على مدار يومين كاملين 25، 26 مارس 2014م ، ليبعث بعدة رسائل وتوصيات هامة إلى العالم كله :

1-  أن إقامة هذا المؤتمر بهذا الجمع العظيم من الوفود والشخصيات الدينية والعلمية والسياسية العربية والإسلامية المشاركة في فعاليات المؤتمر الثالث والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ( خطورة الفكر التكفيري والفتوى بدون علم على المصالح الوطنية والعلاقات الدولية ) تحت رعاية فخامة رئيس الجمهورية المستشار/ عدلي منصور بهذا الموقع المتميزعلى ضفاف النيل يشهد ويؤكد أن مصر قد استعادت أمنها وعافيتها ، وأنها قوية وستظل صلبة قوية ، وأن قوى الشر والإرهاب ستندحر لا محالة بإذن الله تعالى .

2-  أن مصر بحضارتها الضاربة بسماحتها في أعماق التاريخ ستظل رمزًا للتسامح ومبعثًا للوسطية التي يحمل لواءها الأزهر الشريف ، وأن الفكر المتشدد أمر عارض وسحابة صيف عما قريب تنقشع ، وأن الشعب المصري يلفظ التشدد والإرهاب والكل يقف بالمرصاد للتصدي للجماعات المتشددة ، والتي نؤكد أنها غريبة عن الجسد المصري ، وأننا نرفض المتاجرة بالدين من أجل الحصول على مكاسب حزبية أو سلطوية أو نفعية خاصة أو رخيصة .

3-  أن الاجتماع بحضور كل من : دولة رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب ، وفضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر ، والبابا تواضروس الثاني بابا الكنيسة الأرثوذكسية وبطريرك الكرازة المرقسية أكد تكاتف كل القوى السياسية والدينية ، وأن الشعب المصري كله مسلميه ومسيحيه على قلب رجل واحد لتحقيق المصالح العليا للوطن ، ودحض قوى الشر والإرهاب التي تسعى لتوظيف الدين لمصالحها الخاصة .

4-  التأكيد على حرمة الدماء ، والتحذير من سفك دم أي امريء بدون حق مسلمًا كان أو غير مسلم .

5- ولعل الرسالة الأبرز في المؤتمر كله هو ما تضمنته كلمة فضيلة الإمام الأكبر في رفضها الواضح والحاسم للتكفير ، حيث يقول فضيلة الإمام : ” قضيَّةُ فَوْضَى تكفير المسلمين، وفَوْضَى الفتوى بحلِّ قتلِهم وقتالِهم هي مِحنةٌ كُبرى تُعاني منها بعضُ مُجتَمَعاتنا عَناءً شديدًا، وكُنَّا نظنُّ أنَّ هؤلاء المكفرين قد استعادوا وعيَهم وفهمهم لدينهم فهمًا صحيحًا، وتخلَّصوا من هذه الآفةِ ومن توابعها المُدمِّرةِ منذُ تسعينات القرن الماضي في مصرَ وغيرِها من البلدانِ والأقطار ، غير أنَّنا فوجئنا بهذه الآفة تطل – أخيرا – على بلادنا بوجهِها القبيحِ وتقضُّ مَضاجعَ شُعوبٍ عربيَّةٍ وإسلامية بأكمَلِها في آسيا وإفريقيا على السَّواء؛ تَقتُلُ وتُدمِّرُ وتُفجِّرُ وتَغتالُ الآمِنين الغافلين البُرآء، وتُحوِّلُ حياةَ الناس إلى جحيمٍ لا يُطاق..

ومن المُؤلِم غايةَ الألمِ أنْ تُرتَكَبَ هذه الجرائمُ باسمِ الإسلامِ وباسمِ شريعتِه السَّمحاء ، وتُنفَّذ عملياتها المدمرة مع صَيْحات التَّهليلِ والتَّكبيرِ ودَعوى الجِهاد والاستِشهاد في سبيلِ الله. الأمرُ الذي استَغلَّه الإعلامُ الغربيُّ أسوأَ استغلالٍ في تشويهِ صُورةِ الإسلامِ، وتقديمِه للعالم بحسبانه دِينًا هَمَجِيًّا مُتعطِّشًا لسَفكِ الدِّماء وقتلِ الأبرياء ويحثُّ على العُنفِ والكراهيةِ والأحقادِ بين صُفوفِ أبنائه وأتباعه..

ثم يقول فضيلته : ” قضيَّةَ التكفيرِ لا يَملِكُها أحدٌ، ولا هيئة ولا جماعة ولا تنظيم، وإنما هي تسمية شرعية بحتة، ولها من الضوابط وتوفر الشروط وانتفاء الموانع ما يحصرها في أضيق الدوائر والحدود التي تدرأ بالشبهات، ثم هي منوطة بالقضاء وبأولي الأمر، ولا يُسارِع إليها إلا الجهلةُ من الناسِ كما يقولُ حُجَّةُ الإسلامِ الإمامُ الغزاليُّ، الذي يُقرِّرُ: “إنَّ الخطأ في تَرْكِ كفر ألفِ كافرٍ أهوَنُ من الخطَأ في سَفْكِ مِحجَمةٍ من دَمِ مُسلِمٍ ” .

كما يَذهَبُ الإمامُ محمد عبده إلى أنَّ البُعدَ عن التَّكفِير أصلٌ من أصولِ الأحكام في الإسلامِ، ويقرر أنَّه: “إذا صدَر قولٌ من قائلٍ يَحتَمِلُ الكُفرَ من مائةِ وجهٍ، ويَحتَمِلُ الإيمانَ من وجهٍ واحدٍ، حُمِلَ على الإيمانِ، ولا يجوزُ حَملُه على الكُفرِ ” .

6-  وكان من أهم التوصيات التي انتهى إليها المؤتمر:

  • يُوصِي المؤتمر بفتح الأبواب للفكر الوسطي السليم بما يسد الأبواب أمام تيَّارات الفِكر التكفيري، وتنبيه المجتمعات الإسلامية على أنَّ التكفير حكمٌ شرعي مَرَدُّه إلى اللهِ ورسولِه، ولا يجوز الحكم به إلا بكفر صراح يرفع الرأي به أهل العلم والاختصاص من المجامع العلمية والفقهية المتخصصة إلى القضاء العادل للحكم البات فيه ، وليس من حقِّ الأفراد أو الجماعات الافتئات في ذلك.
  • تأصيل وتجديد الفهمِ الشرعيِّ الصحيح للمُصطَلحات الشائعة في المجتمع الإسلامي؛ مثل: الجهاد ، والحِسْبَة ، والولاء والبراء ، ودار الحرب ، ودار الإسلام ، وطبيعة العلاقة بينهما ، والحُكم بما أنزل الله ، بما يتناسب مع معطيات العصر ومستجداته وفي ضوء الثوابت الراسخة ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة فيما يتعلق بها ؛ حتى لا تحدُث بلبلةٌ في المجتمع.
  • العمل المشترك على محو الأمية الدينية والفكرية لجميع أبناء العالم الإسلامي في سبيل تحصين شبابنا من أن تتخطفهم أفكار الجماعات المتطرفة أو المتشددة أو الغالية في دين الله أو الملحدة أو المضللة ، فإذا أردنا أن نقضي على التشدد من جذوره لابد أن نقضي على التسيب من جذوره.

 

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى