نحو فكر عربي وإسلامي مشترك
لا شك أن السعي إلى وحدة عربية وإسلامية قوية صلبة لا يمكن أن يقتصر على اتجاه واحد سياسي أو اقتصادي أو أمني أو فكري إنما يجب أن يشمل ذلك كله ، فعلى المستوى السياسي ينبغي أن تكون هناك رؤية سياسية مشتركة تجاه القضايا العربية والإسلامية ، بحيث تشكل الدول العربية والإسلامية رقما صعبا لا يمكن تجاوزه في المحافل الدولية .
وعلى المستوى الاقتصادي في عالم تسوده التكتلات الاقتصادية والشركات عابرة القارات متعددة الجنسيات أصبح العمل العربي والإسلامي المشترك في مجال التعاون والتكامل الاقتصادي مطلبًا ملحًا ، وعلى الجهات الاقتصادية اتخاذ ما يلزم لرفع معدلات التبادل التجاري بين الدول العربية والإسلامية من جهة ، وتكوين أسواق مُشترَكة ، ومناطق حرة مُشترَكة، وشركات مُشترَكة ، واستثمارات مُشترَكة ، في ضوء ما يحقق مصالح المُشترِكين جميعا ، وبما يشكل قوة تفاوضية في مجال التبادل التجاري العالمي والمؤسسات الاقتصادية الدولية من جهة أخرى ، مع الاستفادة من إمكانات وميزات كل دولة ، وبما يوفر الرخاء لأبناء الأمتين العربية والإسلامية معًا .
وعلى المستوى الأمني ومواجهة الإرهاب ينبغي أن يتجاوز الأمر حدود التنظير إلى ما نادى به السيد الرئيس / عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية من سرعة تشكيل قوة عربية موحدة تواجه الأخطار والتحديات الإرهابية التي تهدد دولنا العربية من جهة، وتشوه صورة الإسلام من جهة أخرى .
فبعد الأعمال الإجرامية التي قامت ومازالت تقوم بها داعش من قتل وذبح وحرق وتنكيل بالبشر ، ومن أبرزها حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبه ، ثم ذبح واحد وعشرين مصريًا ، ثم وضع واحد وعشرين عراقيا في أقفاص حديدية والتطوف بهم في مدينة كركوك تمهيدًا لحرقهم أو تهديدًا به ، وخطف تسعين مسيحيا سوريًّا ، بما يهدد أمننا القومي العربي تهديدًا صريحًا ومباشرًا، بهدف تفكيك دول المنطقة ، وتحويلها إلى دويلات أو عصابات متناحرة ، بهدف إنهاء وجودها كدول ذات وحدة وسيادة ، وبما لا يمكنها مجتمعة من مواجهة العدو الصهيوني من جهة ، أو الممانعة لمطامع القوى الاستعمارية في ثوبها الجديد من جهة أخرى ، مما يتطلب تحركًا عربيًا مشتركًا وقويًا وسريعًا على الأرض قبل فوات الأوان ، ولتكن البداية بتفعيل ميثاق الدفاع العربي المشترك ، واعتبار وزراء الدفاع العرب في حالة اجتماع دائم تحت مظلة جامعة الدول العربية، وعلى الجامعة سرعة التحرك لإثبات قدرتها على البقاء والفاعلية ، وحتى لا يشعر المواطن العربي بالإحباط تجاه المهام المنوطة بها أو الموكلة إليها ، وإن كنا نقدّر صعوبة الظرف الذي تعمل فيه، والتحديات الدولية التي تعمل بكل ما أوتيت من قوة لإفشال دورها وعرقلة مسيرتها ، غير أننا يجب أن نعمل في كل الظروف وتحت الضغط ومهما كانت درجته دون يأس أو إحباط ، وهذا يتطلب أن تكون الخطى أسرع والحركة أوسع .
* * *
لكن الجانب الفكري والخطاب الديني المستنير صار في قلب الحدث ، وأصبحت إعادة النظر في مفرداته والعمل على إعادة صياغة فكر عربي مشترك ونشر خطاب ديني حضاري مستنير يعبر عن سماحة الأديان , واحترام آدمية الإنسان وأسس العيش المشترك وقبول الآخر أمورًا شديدة الأهمية ، وجديرة بالنظر والاعتبار ، وخطى أسرع لا تقل سرعة عن الجوانب سالفة الذكر ، بل ينبغي أن يكون الفكر أسبق وتصويب الخطاب الديني أسرع .
ومن هنا نؤكد أننا نسابق الأمن في هذا الاتجاه ، وفي ضوء ذلك يأتي مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت عنوان : “عظمة الإسلام وأخطاء بعض المنتسبين إليه : طريق التصحيح ” بما نعقده على هامشه من فاعليات ، أهمها : تشكيل اللجنة العربية الإسلامية العليا لتجديد الخطاب الديني ، واجتماع الهيئة التأسيسية لمنتدى السماحة والوسطية العالمي، والاتفاق على انطلاق خطبة شهرية عربية وإسلامية موحدة ، تعالج القضايا المشتركة نحو : حرمة الذبح والحرق والتنكيل بالبشر عامة ، وإتقان العمل سبيل الأمم المتحضرة ، وأخلاقنا بين التنظير والتطبيق ، وخطورة المخدرات والإدمان على الفرد والمحتمع ، وخطورة التكفير والفتوى بدون علم على المصالح الوطنية والعلاقات الدولية ، وسماحة الإسلام ، ودور الزكاة في تحقيق التكافل الاجتماعي ، وأهمية التخطيط في حياة الأفراد والأمم ، ونحو ذلك من الموضوعات التي يمكن أن تشكل قاسمًا مشتركًا ومنطلقًا فكريًا عامًا يشغل بالنا جميعًا ، وسنبدأ بإذن الله تعالى بمن يرى ذلك فعليا لتحقيق خطوة إيجابية في اتجاه وحدة فكرية عربية وإسلامية ، تسهم في تحقيق التعاون والتكامل بين الدول العربية والإسلامية ، ودعم قضاياها ومصالحها المشتركة سواء في علاقاتها البينية ، أم في علاقاتها الدولية ، مع أملنا أن تكون المشاركة الدولية الواسعة في هذا المؤتمر ، وتلك الأبحاث والدراسات العلمية والفكرية المقدمة والتي خرجت في مجلدين إسهاما حقيقيا في هذا الاتجاه ، وخطوة ملموسة في تجديد الخطاب الديني ، وإسهامًا في إعادة البناء الفكري للشخصية العربية والإسلامية في إطار الحفاظ على الثوابت الشرعية والوطنية والإنسانية التي لا يمكن المساس بها من جهة ، ومراعاة المستجدات والمتغيرات العصرية من جهة أخرى، بحيث لا نحاول ولا نقبل بفرض قوالب ثابتة جامدة ، أو نقل رؤى فكرية ناسبت عصرها وزمانها ومكانها على عصرنا وزماننا ومكاننا ، بعد أن أصبحت كل الظروف تحتاج إلى فكر جديد ورؤى التجديد ، فربما يصبح الراجح مرجوحًا والمرجوح راجحًا نتيجةً لتغير الحال والزمان والمكان شريطة أن يسند التجديد والاجتهاد إلى أهل العلم والاختصاص كل في مجاله دون سواهم من الدخلاء وغير المؤهلين ، مع إيماننا بأن صياغة الفكر وبناء الشخصية العربية والإسلامية يحتاج إلى جهود كل أبناء الأمَّتين من العلماء والمفكِّرين والكُتّاب والمُبدعين والسياسيين ، وعلماء النفس والاجتماع ، وسائر القوى الفكرية والعلمية التي لا يمكن تجاوزها في بناء الأمم والشعوب.