الإعلام الكاشف والإعلام الباني
لا شك أن الإعلام واحد من أهم الأسلحة العصرية في المعارك والقضايا الفكرية والثقافية وتجييش الرأي العام أو تهيئته , وأن فقه المرحلة يحتاج إلى التوازن بين الإعلام الكاشف والإعلام الباني , فلا يمكن لأحد أن ينكر دور الإعلام الرشيد في بناء المجتمعات والدول بصفة عامة وبناء الفكر الرشيد بصفة خاصة , كما لا يمكن لأحد أن يتجاهل خطر استخدام بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل في العمل على هدم الدول أو إفشالها , وبخاصة من تلك المنظمات أو الدول الراعية للإرهاب.
الإعلام بصفة عامة جزء من الوطن ومن أهم مكوناته , والإعلاميون هم نخبة من أبنائه ومثقفيه ومستنيريه , فمن يبصّر بقضايا الوطن الحقيقية ويواجه مخططات أعدائه إن لم يكونوا هم في الطليعة من ذلك ؟
الإعلام الرشيد جزء من الحل وليس جزءًا من المشكلة ولا يمكن أن يكون , كما أننا نؤمن بأن الإعلام ليس جهازًا تنفيذيًّا لأي دولة تنحصر مهمته في التسويق لإيجابياتها , فإن مهمة الإعلام أكبر من ذلك بكثير , فله إلى جانب مهامه في التوعية والبناء مهام رقابية كاشفة لا تقل أثرًا عن دور كثير من الجهات الرقابية التي تعمل على مواجهة الفساد بكل صوره وألوانه ماديًّا كان أو معنويًّا , وليس لأحد أن يعمل على تجريد الإعلام من اختصاصاته أو يعمل على تحويله عن طبيعته أو يصرفه عن مهامه , إلا إذا كان لديه ما يخشى من المواجهة به , غير أن ثمة فرقًا كبيرًا وشاسعًا بين الإعلام الموضوعي والإعلام الإثاري.
ونرى أن الإعلام الرشيد لا يمكن أن يقوم على مجرد تصيد الأخطاء أو حتى مجرد رصدها وينتهي دوره عند هذا الحد معتبرًا الإثارة غاية لا وسيلة.
الإعلام الرشيد هو ذلكم الإعلام الذي يسهم في اقتراح الحلول , ومعالجة المشكلات , ويهيئ الطريق وينيره أمام القائمين على شئون البلاد والعباد والمؤسسات , وهو الذي يذكر الإنجاز كما يبرز الإخفاق , والذي يشد على عضد المجتهدين كما ينعي باللائمة على المقصرين.
الإعلام الرشيد هو الذي يعي طبيعة كل مرحلة وما تقتضيه المصلحة الوطنية , واختيار الأوقات المناسبة لمعالجة القضايا .
الإعلام الرشيد يعني الموضوعية دون تهويل أو تهوين أو إفراط أو تفريط .
الإعلام الرشيد هو الذي يسمو صاحبه فوق الانطباعات الشخصية إلى درجة المعالجة الموضوعية , وهو الذي ينصف المختلف معه عندما يحسن أو يكون الحق في جانبه , كما ينصف المتفق معه أو حتى الموالي له ولا سيما إن كانت الصحيفة حزبية أو خاصة.
الإعلام الرشيد هو الذي يحدد أهدافه ويعمل على تحقيقها , ويرتب أولوياته ويعمل على إنجازها, ويتخذ من كل ما يؤدي إلى البناء والتعمير ومواجهة الفساد والانحراف ومحاولات إفشال الدولة خطا ثابتًا .
ذلكم هو الإعلام الذي نفخر به عندما نطلق عليه مصطلح الإعلام الوطني أو الإعلام الرشيد أو الإعلام النبيل , أو الإعلام الهادف , أو الإعلام البناء , وذلكم هو الذي يبقى ويضمن لصاحبه أو لمؤسسته خلودًا حقيقيًّا لا زيف فيه.
وحتى إعلام المعارضة فهناك المعارضة المنصفة الشريفة التي تقول لمن أحسن أحسنت ولمن قصر قصرت , لا إعلام التصيد والتنكر وقلب الحقائق الذي يعمل على قلب الحسنات إلى سيئات على نحو ما نرى من إعلام الجماعات الإرهابية , مما يجعلنا في حاجة ملحة إلى إعمال آلة إعلام البناء في مواجهة آلات إعلام الهدم ومحاولات إفشال الدول.
وعليه فإننا نحذر من الانسياق خلف إعلام جماعة الإخوان الإرهابية , وكتائبها الإلكترونية , وأبواقها الإعلامية , وكل من يسير في كنفها على طريق الهدم , والتشويه , والكذب والافتراء , وقلب الحقائق , بل إن واجبنا أن نتعاون على كشف هؤلاء المجرمين وفضحهم وبيان عمالتهم وخيانتهم , وأن نحذر بوضوح وشفافية من هؤلاء الخونة العملاء المأجورين ومن أبواقهم ومواقعهم المحرضة على الفتن, وهدم الأوطان , وخدمة مخططات الأعداء , ” وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ”.