مـن الـذي يحمــي داعــــش ؟
أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف
لا شك أن الحماية التي يتعرض لها تنظيم داعش الإرهابي ومستوى التمويل والتسليح الذي يحصل عليه هذا التنظيم ، وهذا التراخي البيّن في القضاء عليه ، وإذكاء الخلافات الدينية والعرقية والمذهبية في بعض دول المنطقة ، يعد أمرًا لافتا للنظر ويدفع للتساؤل من الذي يحمي داعش ؟ كما أن هناك أمورًا أخرى أكثر لفتا للنظر ، منها : صمت جميع المنظمات الدولية والعالمية المعنية بحقوق : المرأة ، والأقليات ، والطفل ، وحقوق الإنسان – عن جرائم داعش ، فلم نكد نرى سوى إدانات خجولة لا ترقى إلى مستوى الإجرام الذي يقوم به هذا التنظيم الإرهابي الغاشم ، وإلا فلتقل لنا هذه المنظمات الدولية : ماذا صنعت تجاه قطع رءوس الأطفال والشباب والشيوخ ؟ وتجاه استخدام الأطفال في الحمل القسري للسلاح ؟ وتجاه هذا المنظرالمرعب لختان بعض البنات بصورة ربما لم يشهد التاريخ مثلها وحشية وهمجية ؟
بل أين هذه المنظمات من التجنيد القسري لبعض النساء ودفعهن دفعا إلى العمليات الانتحارية ، فضلا عن امتهانهن وسبيهن واسترقاقهن وبيعهن في سوق جديدة للنخاسة والعبيد ، في عالم يزعم أنه يعمل على القضاء على كل ألوان العبودية والرق التي لم يعد اسمها مطاقا ولا مستساغاً في عالمنا المعاصر ؟
وإذا كان العالم يزعم أنه يحترم حقوق الأكثرية والأقلية ، فماذا صنع العالم الذي يزعم أنه حر تجاه حقوق المسيحيين والإيزيديين من رجال ونساء وأطفال ممن تعرضوا للقتل والذبح والتهجير والاستعباد ، فلم نسمع صوتا يجهر بإنقاذ هؤلاء وهم يُقتّلون ويُهجّرون ، وتُسبى نساؤهم وأطفالهم ، وتُهدم كنائسهم كما هُدمت المساجد أيضا في العراق ممن لا يرقبون في البشر ولا في الحجر عهدًا ولا ذمة ولا دينًا ولا خلقًا ولا إنسانية ، بل خرج علينا أحد هؤلاء الإرهابيين المصنوعين على أعين بعض أجهزة المخابرات الصهيونية ليؤكد أنه عندما يذبح الإنسان ، فلا ينبغي أن يُذبَح فحسب ، إنما عل الذابح أن يعمل على التلذذ بطريقة ذبحه ، مع أن الإسلام قد أمر أننا عندما نذبح الحيوان أن نحسن الذبحة ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته ” (رواه مسلم) ، وإذا كانت بعض منظمات المجتمع المدني الدولي قد تخصصت في حقوق الحيوان حتى عند ذبحه ، وقد تعرضنا في أوقات سابقة لبعض المضايقات تحت التذرع بالدفاع عن حقوق الحيوان ، فإننا نقول لهؤلاء الذين كانوا يتاجرون بحقوق الحيوان ، أين أنتم يا حمائم السلام ونسائم الحرية من حقوق الإنسان والحيوان والحجر والشجر ؟ أو أن الأمر حين يتعلق بالإنسان العربي أو المسلم فلا حقوق ولا إنسانية ؟
إن المبادئ الحقيقية لا يمكن أن تتجزأ ، وإن تجزأت وتغيرت وفق المصالح والأهواء لم تعد صالحة يمكن للبشر أن يؤمنوا بها أو بأصحابها .
وإذا كان الأمر كذلك فإننا نذكّر بقول الشاعر :
أنا لا ألوم المستبد إذا تجاوز أو تعدى
فسبيلـه أن يستبــــد وشأننــا أن نستعــدا
وأؤكد أننا في حاجة إلى اصطفاف وطني وعربي وإسلامي ودولي يجمع أصحاب الضمير الإنساني الحر ، قبل أن يأكل هذا الإرهاب الغاشم الأخضر واليابس في الغرب قبل الشرق ، والشمال قبل الجنوب ، وكل يوم يتأخر فيه هذا الاصطفاف يزداد الإرهاب الأسود ضراوة وشراسة في البطش والانتقام وتشويه صورة الإسلام ، كما يخدش بلا شك وجه الإنسانية ، ويكشف زيف التحضر الكاذب الذي يدّعيه المتشدقون بالدفاع عن حقوق الإنسان والحيوان ، غير أننا سنمضي في مواجهة هذا الإرهاب بعزيمة لا تكل ولا تمل مرضاة لربنا ، ودفاعا عن أوطاننا وأعراضنا وأموالنا ، حتى لو كنا في الميدان وحدنا دون سوانا ، لأننا أصحاب قيم ومبادئ لا نحيد عنها في أحرج الظروف واللحظات ، وهو ما يميز مصر عن سواها ويجعلها قرّة عين صديقها وغيظ عداها .