دماء الشهداء بين المحرضين والمتقاعسين
ما بين يوم وآخر ، وقبل أن تجف دماء بعض شهدائنا ، تتناثر دماء شهداء آخرين ، وربما أشلاؤهم ، هذا إن عثر لبعضهم على أشلاء أصلاً .
ولا شك أن جرح الشهيد يثغب يوم القيامة دما ، اللون لون الدم والريح ريح المسك ، ولا يمكن أن تذهب دماء الشهداء هدرًا عند الله (عز وجل) الذي لا تضيع عنده لا الدماء ولا الحقوق ، وهو القائل في كتابه العزيز : ” وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ” (آل عمران : 170)ويقول سبحانه :” وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لا تَشْعُرُونَ ” (البقرة :154).
غير أننا إذا أردنا أن نحقن هذه الدماء فلابد أن نستفيق جميعًا من سباتنا أو غفوتنا ، وأن نقف صفًا واحدًا، ونكشر جميعًا عن أنيابنا في مواجهة هذا الإرهاب الغاشم ، وأن نتحد وطنيا وعربيًا وإنسانيًا في مواجهته ، وبمقدار هذه اللحمة والصدق والحسم في مواجهة الإرهاب نستطيع أن نعجل بنهايته أو نحد على أقل تقدير من آثاره ، ونحفظ أكبر قدر من هذه الدماء التي تتناثر ، وإذا كان أهل الباطل يقاتلون في سبيل باطلهم وطاغوتهم وشيطانهم أو شياطينهم فإن مواجهة أهل الحق والعدل والإنسانية لهم يجب أن تكون أكثر حسمًا وقوة ، حيث يقول الحق سبحانه : ” الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ” (النساء :176) .
إن المواجهة العسكرية وحدها مع قيامها بواجبها على أكمل وجه تظل في حاجة ملحة إلى قيام سائر المؤسسات بجهد مواز ، فالمواجهة الفكرية والثقافية والمعلوماتية والإعلامية كل هذه يجب أن تسير جنبًا إلى جنب مع المواجهة العسكرية ، وهذا يتطلب الضرب بيد من حديد على أيدي المحرضين من الخونة والعملاء الخونة لدينهم ووطنهم ، والعملاء لمن يجندهم ويمولهم ويستخدمهم لهدم دولهم وإثارة الفوضى فيها ، على حد قول الشاعر:
مستأجريـن يخربــون بيوتهــم |
ويكافأون على الخراب رواتبًا |
ونقترح سحب الجنسية المصرية من كل مارق وهارب خائن لوطنه محرض عليه ، داع إلى الفوضى وإلى مناصرة قوى الشر والإرهاب والظلام والضلال والإضلال ، مع الضرب بيد من حديد على أيدي المحرضين على هذه الفوضى في الداخل ، فشتان ما بين حرية الرأي التي لا ننكرها ، وبين الدعوة إلى الهدم التي لا يقرها دين ولا عرف ولا وطنية ولا خلق .
كما نتمنى على المترددين والمتقاعسين وممسكي العصا من المنتصف ومن يحاولون المراوغة في المناطق الرمادية أن يتحلوا بالشجاعة الوطنية الكافية وإن كلفهم ذلك بعض التضحيات ، لأن الوقت لا يحتمل التسويف ولا المراوغة ولا محاولة اللعب على جميع الأطراف ومخادعتها ، وهو ما سجله القرآن الكريم في حديثه عن صفات المنافقين ، حيث يقول سبحانه : ” الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ” (النساء : 141) ، فإن لم تكن لدى هؤلاء المترددين والمتقاعسين شجاعة الحسم ولا شجاعة التنحي فعليهم على أقل تقدير أن يفسحوا الطريق أمام من يمتلكون هذه الشجاعة ولا يقفون سدًا مانعًا أو حائط صد عقيم في وجوههم .
وعلى المجتمع بكل كياناته ومؤسساته الوطنية والإعلامية أن يتكاتف في شجاعة لنشر ثقافة التضحية الوطنية ، وبيان المخاطر التي تتهددنا ، والتحديات التي نواجهها ، ليدرك الجميع وبخاصة المترددون مدى حجم هذه المخاطر التي تهدد حياة الأفراد وكيانات الدول التي إن وقعت ربما لا تقوم لها قائمة ، بل إن الواقع المعاش يؤكد أنه لم تقع دولة في الفوضى ثم قامت ونهضت مرة أخرى .