:أخبار وآراءأهم الأخبارمقالات

مصر الجديدة المسئول الابتكاري والموظف التقليدي

أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف

 الإدارة علم وفن وخبرات متراكمة ، وتحتاج إلى إبداع مستمر وأفكار خلاقة ، ورؤية ثاقبة، ونظرة غير تقليدية ولا نمطية ، ولا سيما العليا منها .
لم تعد الإدارة في مصر تحتمل النمط التقليدي ، ولا مجرد التوقيع على الأوراق أو بعبارة أخرى ” تستيفها” .
ولم يعد واقعنا يحتمل أدنى درجات غض الطرف عن الهنات الصغيرة ، لأن التفريط في الصغير أقرب الطرق للتفريط في الكبير .
المؤسسات الناهضة لا يمكن أن تغض طرفها عن صغير ولا كبير ، إنما تحاسب على النقير والقطمير ، على الصغير قبل الكبير ، حتى لا تسول لأحد نفسه الإهمال أو التقصير ، فلم يعد أمر المحاسبة قاصرًا على تعمد الخطأ ، إنما تجاوزها إلى المحاسبة على الإهمال، فالموت إهمالا كالموت إرهابًا ، وضياع المال إهمالا كضياعه نهبًا أو إفسادًا .
نحن في حاجة إلى جيل من الإداريين المبتكرين أصحاب الأفكار الخلاقة ، فلم تعد الإدارة العليا ولا حتى الوسطى في أي مؤسسة من المؤسسات تحتمل الموظف النمطي التقليدي ، كما أنها ليست مجالا للأبهة ، إنما هي تكليف بكل ما تعنيه كلمة التكليف من معان .
ولم تعد الشهادة وحدها سبيل التفاضل ، إنما هي الشهادة والكفاءة معًا ، ولم يعد الحصول على درجة الدكتوراه بل حتى الأستاذية نهاية المطاف في العلم ، بل كل ذلك مجرد مفاتيح للتعلم المستمر ذاتيًّا كان أو غير ذاتي .
انتهى زمن القفز إلى الدرجات العليا بمجرد الأقدمية المطلقة ، فإلى جانب الأقدمية والخبرة لا بد من توفر عناصر الكفاءة والتحديث والتطوير والقدرة على الإبداع والحلول الخلاقة ، ومواكبة تطورات العصر , والأخذ بأحدث علومه ونظرياته وتقنياته كل في مجال اختصاصه وما يتصل به ، إضافة إلى مشتركات الثقافة العامة والوعي بالواقع والتحديات ، ومفاهيم الأمن القومي للبلاد ، ولا بد كذلك من الإلمام بالقانون ولا سيما ما يتصل بطبيعة عمل كل مسئول حتى لا يكون رهينة من يحاولون توجيهه من أصحاب المصالح أو المغرضين .
ولا بد كذلك من توقد الذهن طوال الوقت , والحذر البالغ من لحظات الغفلة أو الإجهاد التي يحاول أن يستغلها بعض المعاونين أو المتربصين .
ولا شك أن الدفع بمزيد من الشباب المؤهل علميًّا وفنيًّا وتقنيًّا وثقافيًّا ووطنيًّا بعد إعداده وتأهيله يسهم في ضخ دماء جديدة , ويبعث كثيرا من الطاقة والحيوية في العمل القيادي , ويقضي على كثير من الرتابة والنمطية , ويخلق جوا من المنافسة الإيجابية البناءة في المؤسسات الوطنية .
ويمكن أن نقول انتهى زمن التوقف عن التحديث والتطوير والتعلم المستمر , فحيث يتوقف الإنسان عن تطوير ذاته يتوقف نموه أو تقدمه إلى الأمام , إن لم يكن قاب قوسين أو أدنى من فقد ما وصل إليه , ولا ينبغي لبرامج التأهيل أن تتوقف ما دام في مجال العلم بقية , وما دامت الوقائع والمستجدات والمستحدثات تلاحقنا , ولا شك أن أيا من ذلك لم ينفد ولن ينفد , وهو ما فهمه علماؤنا الأوائل حين قالوا : العلم من المهد إلى اللحد , والمحبرة إلى المقبرة , وقدر كل امرئ ما كان يحسنه , وقيمة المرء على قدر ما يجيده ويتقنه , ولم يعد بإمكان أحد أن يشق طريقه بغير العلم والوطنية والإخلاص والتفاني , ونستطيع أن نقول وداعا لعصور الفهلوة وغيرها من الطرق غير المشروعة , ولا عزاء للمتسلقين .
وعندما ننظر في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة نجد أنهما يؤكدان على ضرورة توفر الكفاءة والكفاية والأمانة , حيث يقول الحق سبحانه في كتابه العزيز على لسان سيدنا يوسف (عليه السلام) لعزيز مصر : ” اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ” (يوسف : 55) , ويقول سبحانه على لسان ابنة شعيب لأبيها في شأن سيدنا موسى (عليه السلام) : “يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ” (القصص : 26) , ولما طلب سيدنا أبو ذر من سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يستعمله , قال له (صلى الله عليه وسلم) : “يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها” (صحيح مسلم) , وقال (صلى الله عليه وسلم): “إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ” (صحيح البخاري) , وأهل الأمر هم أهل الكفاءة والأمانة معا .

​  ونلاحظ أن نبينا (صلى الله عليه وسلم) في رحلة الهجرة استأجر دليلا غير مسلم معروفًا بكفاءته وأمانته , ولم يعتمد على أحد من الصحابة الكرام رغم شدة أمانتهم جميعًا, ولا شك أن بعضهم كان على دراية بدروب الصحراء ومسالكها , على أن فارق الكفاءة هو الذي قدم الدليل غير المسلم عليهم , وهو – أيضا- ما فعله سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في استخدام بعض كُتَّاب بيت المال وكُتَّاب الدواوين .
​لقد سقط الهواة والمشتاقون في أول تجربة ولم يستطيعوا أن يتجاوزوا المحطة الأولى بل كادوا يأخذوننا لطريق جد مسدود , و يدمروا الوطن , لولا أن الله (عز وجل) قيض لمصرنا العزيزة قائدًا حكيمًا صاحب خبرات كبيرة أخذ مع المخلصين من أبناء مصر البلاد والعباد إلى بر الأمان .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى