:أهم الأخبارمقالات

الإيثـار لا الأثـرة

الإيثار والأثرة نقيضان ، فالإيثار عطاء ، وبذل ، وجود ، وكرم ، وسخاء نفس ، والأثرة شح ، وبخل ، وأنانية ، وضيق نفس .
الإيثار خلق عظيم امتدح به الله (عز وجل) أصحاب رسولنا (صلى الله عليه وسلم) من الأنصار الذين آثروا إخوانهم من المهاجرين على أنفسهم ، فقال سبحانه في كتابه العزيز : ” وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ “.
فالسخي قريب من الله ، قريب من الناس ، قريب من الجنة ، بعيد عن النار ، والبخيل بعيد عن الله ، بعيد عن الناس ، بعيد من الجنة ، قريب من النار : وخير الناس أنفعهم للناس ، وما استحق أن يولد من عاش لنفسه .
الإيثار خلق من الأخلاق الكريمة التي تدل على المروءة ، والشهامة ، والنبل، والإنسانية، والرقي ، وقد ضرب نبينا (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه أروع المثل في ذلك، فقد جاءت امرأة إِلَى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ ، فَقَالَتْ : نَسَجْتُها بِيَدَيَّ لأَكْسُوكَهَا ، فَأَخَذَهَا النَّبيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) مُحْتَاجاً إِلَيْهَا ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإنَّهَا إزَارُهُ ، فَقَالَ رجل من القوم : يا رسول الله ، اكْسُنِيهَا مَا أحْسَنَهَا ! فَقَالَ : نَعَمْ ، فَجَلَسَ النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم ) في المَجْلِسُ ، ثُمَّ رَجَعَ فَطَواهَا ، ثُمَّ أرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ : فَقَالَ لَهُ الْقَومُ : مَا أحْسَنْتَ ! لَبِسَهَا النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) مُحتَاجَاً إِلَيْهَا ، ثُمَّ سَألْتَهُ وَعَلِمْتَ أنَّهُ لا يَرُدُّ سَائِلاً ، فَقَالَ : إنّي وَاللهِ مَا سَألْتُهُ لألْبِسَهَا ، إنَّمَا سَألْتُهُ لِتَكُونَ كَفنِي ، فَكَانَتْ كَفَنَهُ .
ولما قفل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من حنين علقت به الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى شجرة فخطفت رداءه ، فوقف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم قال: “أعطوني ردائي فلو كان لي عدد هذه العضاة نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا”.
وأَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَبَعَثَ (عليه الصلاة والسلام) إِلَى نِسَائه ، فَقُلْنَ : مَا عِنْدَنَا إِلَّا الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : “مَنْ يَضُمُّ هَذَا ، أَوْ يُضِيفُ هَذَا؟” فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ : أَنَا ، وَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ ، فَقَالَ : أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَقَالَتْ : مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَانِ ! فَقَالَ : هَيِّئِي طَعَامَكِ ، وَأَصْبحِي سِرَاجَكِ ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً ، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا ، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا ، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا ، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ السِّرَاجَ ، فَأَطْفَأَتْهُ ، فَجَعَلا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلانِ ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ ، فَلَمَّا أَصْبَحَا غَدَا إِلَى رَسُولِ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَقَالَ : ضَحِكَ الله اللَّيْلَةَ ، أَوْ عَجِبَ مِنْ فِعَـالِكُمَـا ، فَأَنْزَلَ الله تَعَـالَى : “وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ “.
وفي الصحيحين عن عائشة (رضي الله عنها) قالت : ” جَاءَتني مِسْكِينَةٌ تَحْمِل ابْنْتَيْن لَهَا ، فَأَطعمتهَا ثَلاثَ تَمْرَاتٍ ، فَأَعطتْ كُلَّ وَاحدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرفعتْ إِلى فِيها تَمْرةً لتَأَكُلهَا، فَاسْتَطعَمَتهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّت التَّمْرَةَ الَّتي كَانَتْ تُريدُ أَنْ تأْكُلهَا بيْنهُمَا، فأَعْجبني شَأْنَها، فَذَكرْتُ الَّذي صنعَتْ لرسولِ اللَّه (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم) فَقَالَ : ” إنَّ اللَّه قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الجنَّةَ ، أَو أَعْتقَها بِهَا مَن النَّارِ ” ، فإذا كان هذا جزاء من آثرت ابنتها على نفسها فما بالكم بمن يؤثر الضعيف والمحتاج والمسكين ؟!.
وعن حذيفة العدوي أنه قال : انْطَلَقْتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَطْلُبُ ابْنَ عَمِّي ، وَمَعِي شَنَّةٌ مِنْ مَاءٍ، وَإِنَاءٌ ، فَقُلْتُ : إِنْ كَانَ بِهِ رَمَقٌ سَقَيْتُهُ مِنَ الْمَاءِ ، وَمَسَحْتُ بِهِ وَجْهَهُ ، فَإِذَا أَنَا بِهِ يَنْشَغُ – أي : يمص بفيه – , فَقُلْتُ لَهُ : أَسْقِيكَ ؟ فَأَشَارَ أَنْ نَعَمْ ، فَإِذَا رَجُلٌ , يَقُولُ : آهِ ، فَأَشَارَ ابْنُ عَمِّي أَنِ انْطَلِقْ بِهِ إِلَيْهِ ، فَإِذَا هُوَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ أَخُو عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، فَأَتَيْتُهُ ، فَقُلْتُ : أَسْقِيكَ ؟ فَسَمِعَ آخَرَ , يَقُولُ : آهِ ، فَأَشَارَ هِشَامٌ أَنِ انْطَلِقْ بِهِ إِلَيْهِ ، فَجِئْتُهُ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى هِشَامٍ ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ ، ثُمَّ أَتَيْتُ ابْنَ عَمِّي ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ.
وأعلى درجات الإيثار هو إيثار ما عند الله تعالى على الدنيا وما فيها ، استجابة لقوله تعالى : ” مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ” .

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى