:أهم الأخبارمقالات

ما وراء الخطبة المكتوبة

Mokhtar-Gomaa

أراني في غاية الاقتناع وفي أقصى مدى منه وسأظل بأن الخطبة المكتوبة التي نسعى إلى تطبيقها وتعميمها إنما هي مشروع فكري متكامل يهدف إلى إعادة صياغة فكر الأمة بطريقة مستنيرة منهجية وشاملة.

فإذ تناولنا في الجمعة الأولى للتطبيق بعض جوانب الفساد المالي والإداري وضرورة مواجهته مواجهة شاملة ، سواء أكان هذا الفساد غشا في الكم أو النوع ، أم كان رشوة ومحاباة واستغلال نفوذ ، أم كان أكلا لحقوق الغير ، أم عدم الوفاء بحقوقهم ، كأكل صاحب العمل لحق العامل ، أو عدم وفاء العامل بحق العمل ، أم كان اعتداءً على أملاك الدولة أو عدم الوفاء بالتزامات المواطن تجاهها ، كالتهرب الضريبي أو الجمركي ، أو عدم سداد قيمة فواتير الخدمات من مياه أو كهرباء أو غاز أو رسوم طرق وخلافه ، أم كان هذا المال الفاسد مكتسبًا بطريق العمالة أو الخيانة أو تنفيذ العمليات الإجرامية الإرهابية أو تسهيل القيام بها أو التستر على تنفيذها.

ونقدم هذا الأسبوع أنموذجًا آخر للعفة والمروءة والترفع عن الدنايا من عفة البطن والفرج واللسان والقلم ، والعمل على إعادة صياغة أخلاقية جديدة ترتفع بالإنسان من الوقوع في الشتم والسباب والسفاسف ، حتى لا يتحول العالم إلى غابة من الألفاظ النابية والذوق غير السليم ، على عكس ما علّمنا ديننا في قول الحق سبحانه : ” وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ” (البقرة:83) للناس كل الناس ، وحيث يقول الحق سبحانه : ” وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ” (الإسراء:53) ، ويقولون : البر شيء هيّن وجه طلق وقول ليّن ، ولم يكن نبينا (صلى الله عليه وسلم) سبّابا ، ولا شتّاما ، ولا فاحشا ، ولا متفحشا ، إنما كان (صلى الله عليه وسلم) قرآنا يمشي على الأرض كما وصفته السيدة عائشة (رضي الله عنها).

فخطبة الجمعة أشبه ما يكون بإطار عام لقضية إيمانية أو أخلاقية أو إنسانية أو مجتمعية عامة ، ثم يأتي دور وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة على مدار الأسبوع عقب خطبة كل جمعة لإلقاء وتسليط الضوء على هذه القضية شرحًا وتفصيلا وتوضيحا وحوارًا ومناقشة ، وفق استراتيجية واضحة محددة تشمل أربعًا وخمسين قضية في العام الأول “الخطة قصيرة المدى” ، ومائتين وسبعين قضية في الخطة الخمسية “متوسطة المدى” ، بما يؤدي إلى صياغة جديدة عصرية مستنيرة للفكر والعقل ، بعيدًا عن كل ألوان الغلو والتطرف والتشدد واختطاف العقول ، وبما لا يسمح لأصحاب الفكر المتطرف باستخدام المنابر لتمرير أجندات فكرية لصالح جماعات أو أحزاب أو جمعيات لا تؤمن بوطن ولا بدولة وطنية.

ثم تقوم مؤسسات علمية وبحثية وفي مقدمتها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بدراسة وتحليل مضامين هذه الخطب ونشرها على نطاق واسع ، وترجمة مختارات منها ، ونشرها باللغات المختلفة ، مما يسهم في نشر الفكر الإسلامي الوسطي الحضاري السمح المستنير في العالم كله ، كما أنه قد يتم اقتباس مقتطفات من لباب هذه الخطب في بعض المناهج التعليمية والثقافية ، وبخاصة تلك التي تعالج قضايا إنسانية عامة تؤسس لإحياء روح التسامح والتعايش السلمي بين البشر ، وترسخ لأسس التعامل على قيم الصدق ، والأمانة ، والوفاء ، والمروءة ، والعدل ، والإحسان ، والقضاء على السلوكيات السلبية من الكذب ، والخيانة ، والغدر ، والظلم ، والقهر ، مؤكدين وسنظل نؤكد أن سبيلنا إلى تطبيق هذه المنظومة الفكرية هو الحوار ثم الحوار ، والتواصل ثم التواصل ، والإقناع ثم الإقناع ، لأننا نؤمن أن زمن القهر قد انتهى وولّى بلا رجعة ، وأننا نريد الخطيب المستنير الذي يؤمن بالقضية ويطبق عن حب وقناعة ، وإن كلفنا ذلك مزيدًا من الوقت أو الجهد أو التعب ، لأننا نؤمن بأننا أصحاب قضية عادلة تحكمها مصلحة شرعية ووطنية تستحق منا كل ما نبذله في سبيلها من جهد ، مؤمنين بأننا نخدم ديننا ووطننا ونفي بجانب من حق المسئولية التي تحملناها أمام الله (عز وجل) ثم أمام الوطن ، وحسبنا نيتنا ، وأننا بشر نجتهد ونصدق النية مع الله (عز وجل) في الاجتهاد ، فإن وفقنا فلله وحده (عز وجل) الفضل والمنة ، وإن كانت الأخرى لا قدر لله ، لم ولن تكون بإذن الله تعالى ، فحسبنا نيتنا معه سبحانه.

وأختم بما ذكره القرآن الكريم على لسان سيدنا شعيب (عليه السلام) في سورة هود (عليه السلام) : ” إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ” (هود:88) ، والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى