الألقاب المزيفة
نشرت صحيفة الجمهورية في عددها الأسبوعي الصادر يوم الخميس 2 أغسطس 2018 م ، ملفًا هامًا تحت عنوان : “جمعيات السبوبة” ، تضمن تقريرًا مهمًا تحت عنوان : “عودة زمن الألقاب” ، ومما جاء فيه : أنه على الرغم من انتهاء عصر ألقاب البشوية والبكوية بنهاية حكم الملكية وما كانت تمثله تلك الألقاب من وجاهة اجتماعية والتي كان يتم منحها بسعر من 5 إلى 10 آلاف جنيه للبكوية ، ومن 20 إلى 25 ألف جنيه للباشوية آنذاك ، إلا أنه مع مرور السنوات لم يتغير الحال كثيرًا عند فئة ضعاف النفوس الذين يبحثون عن الألقاب بالمال والفلوس … فاشترى الحاصل على دبلوم فني أو ليسانس أو بكالوريوس بتقدير مقبول ألقاب الدكتور أو المستشار أو السفير .
وفي هذا الصدد أؤكد أن الصدق له وجه واحد ، والكذب له وجوه عديدة ، أما التزييف فله مائة وجه ووجه ، الحق حق ، والباطل باطل ، الحق له سبيل واحد ، وللباطل ألف سبيل ، يقول الحق سبحانه : ” وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” (الأنعام : 153) ، فسبيل الله واحدة ، وسبل الشيطان هي سبل الانحراف ، وهي سبل شتى تتعدد قدر صور الانحراف البشري والشيطاني ، وعاقبتها الهلاك والبوار في الدنيا والآخرة ، حيث يقول الحق : ” أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ”(المجادلة : 19) .
الحق أبلج ، والباطل لجلج ، وليس كل ما يلمع ذهبًا ، ولا كل بيضاء شحمة ، ولا كل الخيول جيادًا ، ولله در المتنبي حيث يقول مخاطبًا سيف الدولة الحمداني:
أعيذها نظرات منـــــــــك صــــــــــادقة |
أن تحسب الشحم فيمن شحـــمه ورم |
وما انتفاع أخي الدنيـــا بناظــــــــــــره |
إذا استوت عنـــده الأنــــــوار والظـلم |
ويقول الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري في وصف من يحاولون جبر نقيصتهم بأنساب أو ألقاب مزيفة ، واصفًا أحدهم بقوله :
فأنت إنْ لم تَجِــــــــدي |
أبًا حـــــميدَ الأثَـــــــر |
ومفَخَرًا من الجُــــــــدودِ |
طيّب المُنحـــــــــــدرَ |
ولم تَرَى في النَفْس مـــا |
يُغنيكِ أن تفتـــخري |
فالتَمِسي أبـًـــا سِــــــواهُ |
أشِــــــــرًا ذا بَطَـــــــــر |
أعطي سمـــــاتِ فـــــارعٍ |
شَمــــــَردَلِ لبُـــــــحتر |
واغتَصِــبي لضِفـــــــــــدِعٍ |
سمـــاتِ ليثٍ قَسْــــور |
وشَبِّهي الظـــلامَ ظُلمًــــا |
بالصبَــــاح المُســــــفِر |
وألبسي الغبيَّ والأحمقَ |
ثَــــوبَ عبقـــــــــــــري |
وأُفرِغي على المخانيثِ |
دُروع عنتـــــــــــــــــــر |
فغـــــالِطي وكــــــــابري |
وحَــــــــوِّري وزوِّري |
فلن تُغـــطِّي ســــــــــــوءةً |
بــــــانت ولن تَتَّــزِري |
فنقائص النفس لن تجبرها أدوات الشكل والزينة ، ونضوب المعين العلمي والفكري لا يمكن أن تجبره الألقاب المزيفة ، ولو ادعى المبطل ألف لقب وزوّر ألف شهادة ، فيظل الذهب ذهبًا ، والنحاس نحاسًا ، ولله در المتنبي حيث يقول :
وهَبْني قُلتُ : هذا الصّبْحُ لَيْلٌ
أيَعْمَى العالـــمُونَ عَنِ الضّياءِ؟
ويمكن للدَاعيّ المغرور أن يخدع بعض الناس لبعض الوقت ، ولكنه لا يمكن أن يخدع كل الناس كل الوقت ، والكذب لا أصل له ، ولا بد للدعي والكذاب أن ينكشف أمره ، وأن يفتضح سره ، وأن تظهر حقيقته ، وساعتها سيخسر كل شيء ، ويخسر ذاته إن كان له ذات يمكن أن يخسرها .
الإنسان بعلمه وخلقه ووعيه وثقافته ووطنيته وبذله وعطائه وإتقانه لعمله ، وقدره الحقيقي ما يحسنه فعلاً لا ادعاء ، حقيقة لا وهمًا .