نص كلمة وزير الأوقاف أ.د / محمد مختار جمعة بمؤتمر ” حقوق الأقليات في المجتمعات الإسلامية ” بمراكش
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين , سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) , وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين .
وبعد :
فهنا في بلد عرف بالتسامح وهو المملكة المغربية الشقيقة ومع منتدى التسامح منتدى تعزيز السلم في المجتمعات الإسلامية جئتكم من مؤسسة التسامح الأزهر الشريف ، لنؤكد معا أننا نلتقي على مائدة التسامح التي نستقي معينها من ديننا السمح دين الإنصاف والعدل والتعايش السلمي ، والإيمان بالتنوع ، وأنه سنًة كونية ، ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ” ، مع قبول الآخر على ما هو عليه ، وإنصافه غاية الإنصاف ، فحين خاطب القرآن الكريم المشركين على لسان رسولنا (صلى الله عليه وسلم ) ولسان أصحابه قال :” وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِين” ، فيما عرف لدى علماء البلاغة بأسلوب الإنصاف ، ومن معينه استقى سيدنا حسان بن ثابت معنى أبياته التي يرد بها على أبي سفيان بن الحارث حين هجا نبينا (صلى الله عليه وسلم) فأجابه سيدنا حسان (رضي الله عنه) بقوله :
هجوت محمداً فأجبتُ عنه وعنـــــد الله في ذاك الجزاءُ
أتهــــــجوه ولست له بكفءٍ فشــــركمـــــا لخيركما الفداءُ
فــــــإنَّ أبي ووالده وعرضي لعــــرض محــمدٍ منــكم وقاءُ
لذا جاء عنوان هذا المؤتمر “حقوق الأقليات في المجتمعات الإسلامية ” , وكان من الممكن أن يكون عكس ذلك “حقوق الأقليات المسلمة في المجتمعات والدول غير الإسلامية” ، وعلى أقل تقدير أن يكون عامًا “حقوق الأقليات وكفى” ، لكنه ديننا العظيم الذي علمنا أقصى درجات التسامح ، وإنصاف الآخر ، وبناء جسور الثقة بيننا وبينه ، وأن الواجب قبل الحق ، وهو ما دفع القائمين على المؤتمر لاختيار هذا العنوان , مما يجعلنا نتوجه بالتحية والتقدير لمنظمي المؤتمر لاختيارهم هذا العنوان بهذه الدقة.
واسمحوا لي أن أؤكد لكم أننا في مصر المحروسة تجاوزنا عقدة الأقلية والأكثرية إلى بناء دولة المواطنة المتكافئة , وإعلاء دولة القانون , فكلنا مصريون فحسب , دون أدنى تمييز على أساس الدين , أو النوع، أو العرق ، أو الجنس , وهذا هو ديننا , ” كلكم لآدم وآدم من تراب ” , ويقول شوقي مخاطبًا نبينا (صلى الله عليه وسلم) :
وأقمــت بَعدَكَ لِلعِبادِ حُكومَةً |
لا سوقَــــــةٌ فيهــــــا وَلا أُمَــــراءُ |
اللهُ فَوقَ الخَلقِ فيها وَحـــدَهُ |
وَالناسُ تَحتَ لِوائِها أَكفـــــــاءُ |
ومن هنا من أرض التسامح ومع منتدى التسامح أنتهز وجود ممثل الأمين العام للأمم المتحدة لأطلق مبادرتين :
الأولى : أن تتبنى المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة مبادرة ” المواطنة المتكافئة ” في جميع أنحاء العالم وبلا أي تفرقة أو تمييز أو استثناء مع ترسيخ مبدأ التعايش السلمى الإنسانى المشترك فى ضوء المشتركات الانسانية التى اجمعت عليها الشرائع السماوية واكدتها المواثيق والاعراف الدولية فى مجال حقوق الانسان .
الأخرى : استصدار قانون دولي يجرم ازدراء الأديان , ونؤكد على عدم المساس بمقدساتها , لإعلاء مبدأ التفاهم والتعايش وحوار الحضارات بدلا من النزاع والشقاق والإقصاء , وقد قالوا : لا ترفض الناس جملة فيرفضوك جملة , فالإقصاء يولد الإقصاء المضاد ، والعنف يولد العنف المضاد .
فالتسامح يجب أن يسود وأن يقابل بتسامح أشد لصالح الإنسانية جمعاء ، وتحقيق معاني العيش المشترك ، والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين الذي من أجلهما كانت الأمم المتحدة ومجلس الأمن وسائر المؤسسات والمنظمات المحبة للسلام والراعية له ، ونتمنى أن يعاملنا الآخرون بمثل ما نعاملهم به من روح التسامح.
وأخيرا أؤكد أن ما ينسب إلى بعض الجماعات المتطرفة المحمولة ظلما على الإسلام لا يمكن أن يمثل الإسلام ، وأن هذه الجماعات قد صنعت صنعا لأبعاد وأهداف سياسية لا علاقة لديننا السمح بها.