موسوعة الدروس الأخلاقية
لقد عني الإسلام بالأخلاق عناية بالغة ، حتى أن نبينا (صلى الله عليه وسلم ) ، لخص هدف رسالته ، فقال : ” إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ ” (السنن الكبرى للبيهقي) ، وقال (صلى الله عليه وسلم ) : ” إِنَّ مِن أحَبِّكُم إِليَّ وأَقربِكُم مِنِّي مجلسًا يومَ القيامَة: أَحاسِنكم أخلاقا” (سنن الترمذي) ، وقال (صلى الله عليه وسلم ) : ” إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ” (مسند أحمد) ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : ” الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ” (صحيح مسلم) فبالأخلاق تبنى الحضارات وتستمر ، والأمم التي لا تقوم على الأخلاق السوية تحمل عوامل سقوطها في أصل بنيانها ، والناس جميعًا بفطرتهم السوية لا يملكون سوى احترام صاحب الخلق الحسن سواء أكان شخصًا أم أمة .
ومن هنا كان تفكيرنا في موسوعة الدروس الأخلاقية التي نؤمل أن تتحول إلى واقع ملموس في الأسابيع القليلة المقبلة من خلال نشر بواكير موضوعاتها ، فبعد أن انتهت وزارة الأوقاف من موسوعة الخطب العصرية التي خرجت في ثلاثة مجلدات ، وهي أول موسوعة خطابية تخرجها الأوقاف المصرية عبر تاريخها الطويل ، شرعنا في إعداد موسوعة الدروس الأخلاقية ، لتكون زادًا فكريًا وثقافيًا ومعرفيًا وأخلاقيًا للمجتمع كله من جهة ، ودعمًا للسادة الأئمة في إعداد دروسهم في مجال الأخلاق من جهة أخرى ، حيث خصصت الوزارة درس الثلاثاء من كل أسبوع للحديث عن القيم الأخلاقية ، مع تحديد خلق يتم تناوله في جميع المساجد رجاء الإسهام في بناء منظومة أخلاقية وقيمية تسهم في تصويب ما اعوج أو انحرف عن الجادة في مجال الأخلاق ، ولا سيما لو تضامنت مع هذا المشروع الوسائل التربوية والتعليمية والثقافية والإعلامية ، فتسهم أقلام الكتاب وبرامج الإعلام المقروء والمسموع والمرئي في إلقاء الضوء على الموضوع المطروح وتعمل على سبر أغواره ، فيما يعرف بالتركيز الدعوي أو الثقافي ، بحيث يقوم العلماء والأئمة والمفكرون والمثقفون والمبدعون والإعلاميون والكتاب والمربون كلٌّ في مجاله وبطريقته وأسلوبه وتقنياته بإلقاء الضوء على خلق ما لترسيخه في نفوس المواطن والمجتمع .
فلو أخذنا على سبيل المثال موضوع العدل ، وحاول كل إنسان أن يأخذ نفسه به ، ينصف الآخرين كما يحب أن ينصفوه ، مع الصديق والعدو ، في الرضا والغضب ، والقريب والبعيد ، حيث يقول الحق سبحانه : ” وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” (الأنعام : 152) ، ويقول سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ” (النساء :135) ويقول سبحانه : ” وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ” (المائدة :8 ) ويقول سبحانه : ” رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ” (الأعراف :89 ) ويقول سبحانه : على لسان نبينا (صلى الله عليه وسلم ) : ” وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ”(الشورى :15) .
فالعدل مفتاح الأمن والأمان ، وقد كتب أحد الولاة إلى سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أن اللصوص كثروا بالمدينة فكتب إليه عمر (رضي الله عنه) : أن حصنها بالعدل ، على أن يكون العدل عامًا وشاملا ، لا استثناء فيه ولا تردد حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم ) : ( إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) (صحيح البخاري) .
وهو ما سار عليه خلفاؤه الراشدون ، حيث يقول أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) في مستهل خلافته : ” أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم ، القوي فيكم ضعيف عندي حتى أخذ الحق منه ، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أخذ الحق له” وهو ما كان من عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عند خلافته لأبي بكر (رضي الله عنه) ، وفي رسالته الرائعة لأبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) يقول : ” آس بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك ” ، وقد سلك سيدنا عمر في العدل مسلكًا عمليًّا أبهر القاصي والداني الصديق والعدو ، حتى رأينا رسول ملك الروم ينظر إلى سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وهو نائم تحت ظل شجرة بلا حرس ولا خدم ، فقال : حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر ، وهو ما يصوره حافظ إبراهيم في قصيدته الرائعة المعروفة بالعمرية حيث يقول :
وراع صاحب كسرى أن رأى عمــرا |
بين الرعية عطلا و هو راعيهـــــــــــــــا |
وقال قولة حق أصبحت مثــــــــــــــلا |
وأصبح الجيل بعد الجيل يرويــــــها |
أمنت لما أقمت العــــــدل بينـــــــهم |
فنمت نـــــــوم قرير العين هانيهــــــــا |
إن جاع في شدة قومٌ شــــــــركتهــم |
في الجوع أو تنجلي عنهم غواشيها |
فمن يباري أبا حفص و ســيرتـــــــــــه |
أو من يحاول للفاروق تشبيهـــــــــــــــا |