ماذا تنتظرون ؟
نشرت صحيفة الأخبار في عددها الصادر يوم الأحد 30 / 8 / 2015م تقريرًا مفزعًا حول بعض جرائم داعش الإرهابية ومأساة اللاجئين ومعاناة الفارين من جحيم الفوضى التي تعمل تلك الجماعات الإرهابية العميلة على إشاعتها في منطقتنا العربية قصد تمزيقها وتفتيت كيانها والاستيلاء على نفطها وخيراتها ومقدراتها , إضافة إلى الأخبار التي تتوارد عن وقوف داعش على مشارف دمشق على بعد 10 كيلو متر من الجامع الأموي العتيق .
ونظرة في هذه المآسي التي تحمل في طياتها روايات الرعب من قتل الأزواج أمام زوجاتهم أو الأبناء تحت سمع وبصر الآباء والأمهات , أو تعرية النساء من ملابسهن أمام أهليهن , أو إجبارهن على السفاح تحت ضلالة جهاد النكاح مع تلك الحيوانات الشرسة التي تنتحل صفة البشر , أو بيعهن سبايا أسيرات في سوق النخاسة داخل الأوطان أو خارجها , أو هدم العامر وإحراق البشر والحجر , وسط صمت عالمي مريب , وإن حاول أن ينفض عن نفسه غبار العار بضربات غير موجهة لا تسمن ولا تغني من جوع , ودعم غير محدود ظاهر ومستتر لتلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية في مؤامرة واضحة المعالم , وحرب ضروس على منطقتنا العربية , على أن حدة هذه الحرب وضراوتها تحتدم وتصل ذروتها على حدودنا الغربية في دولة ليبيا الشقيقة , حيث يعمل بعض من يدركون ثقل مصر ومكانتها الراسخة على نقل محور المعركة وثقلها على حدودها وأبوابها الغربية لتشتيت طاقتها وقواها بين الشرق والغرب , غير أن هؤلاء قد لا يدركون مدى قوة وصلابة وبسالة هذا الشعب العظيم وقواته المسلحة الباسلة , وأن أي أحد أو دولة أو قوى لن تنال من أرضنا وكرامتنا إلا على جثث ما يزيد على تسعين مليون شخص كلهم فداء لهذا الوطن , وكلهم على استعداد للتضحية بأنفسهم في سبيله .
فهنا في مصر وعلى أبوابها كانت نهاية جحافل التتار وغيرهم من القوى الاستعمارية , فجنود مصر خير أجناد الأرض , وهم وأبناؤهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة , ولنا أن نُذَكِّر من لم يتذكر بأبيات حافظ في قصيدته الرائعة مصر تتحدث عن نفسها , حيث يقول :
كـم بغت دولة عليّ وجـــارت |
ثم زالت وتلك عقبى التعدي |
مـا رمــانــي رامٍ وراح سليمـــاً |
مـــن قــديم عناية الله جندي |
غير أن الخطر الداهم هو أن نُؤتَى من قبل أنفسنا , وأن نصاب من داخلنا , من الخونة والعملاء والمتاجرين بالدين , ومن هم على استعداد لأن يبيعوا أنفسهم وأوطانهم وكرامتهم لمن يدفع ويشتري أو يحقق لهم المصالح والمكاسب الخاصة , ومن يؤثرون تنظيماتهم الدولية الإرهابية على كل معاني الوطنية , أو حتى من يسعون لتكوين تنظيمات مماثلة أو موازية لتنظيم الإخوان الإرهابي أو إلى عقد تحالفات وتربيطات دولية مع قوى لا تسعى إلا إلى إضعاف منطقتنا وإشاعة الفوضى في جنباتها .
يجب علينا أن نكون على مستوى الوعى واليقظة الكافيين لإحباط مخططات أعداء هذه الأمة ومخططات أعوانهم من الخونة والعملاء .
علينا أن نستفيد من التجارب البعيدة والقريبة , وبخاصة من الأمس القريب وتجاربه المرة , والانخداع بمن تاجروا بالدين أو تاجروا بالوطنية , وأن نحرص على البعد عن كل ألوان : التمييز , والإقصاء , والطائفية , والمذهبية , وأن نتحلى بأعلى درجة الوعي والإيجابية والوطنية , وألا نقف موقف المتفرج تجاه المتاجرة بحوائج الفقراء , وشراء ذممهم وأصواتهم من قبل أناس لا يبحثون إلا عن مصالحهم الخاصة , وأن نعمل على زيادة الوعي الفكري والثقافي والسياسي , وأن نكشف أمام المجتمع كله من يحاولون المتاجرة بالدين أو بحوائج المحتاجين .
ومن الخطر الداهم أن يقف الوطنيون العقلاء موقف المتفرج أو المحلل أو الراصد دون أن يكونوا فاعلين في الميدان مؤثرين فيه , ذلك أن أهل الباطل لا يعملون إلا في غياب أهل الحق , وإذا فرط أصحاب الحق في حقهم تمسك أصحاب الباطل بباطلهم , وإذا لم نسد الفراغ تركناه لغيرنا ميدانًا واسعًا يفعل فيه من يشاء , وليس من الحكمة ولا من العقل ولا من المنطق أن ينافس على جني الثمار من لم يزرع أصلا , ولم يبذل جهدًا ولا عرقًا , ذلك أن أكثر الناس لا يؤمنون إلا بالمحسوس والملموس والمشاهد , والقريب العاجل من مال أو متاع , والنفس مولعة بحب العاجل .
إن مواجهة الإرهاب المسلح والإرهاب الفكري تحتاج إلى تضافر الجهود واجتماعها على إيثار المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار مع إدراك معنى وقيمة الدولة الوطنية , فقد قالوا : رجل فقير في دولة غنية خير من رجل غني في دولة فقيرة , ذلك أن الرجل الفقير في دولة غنية يكون له ملاذ يأويه ويحتضنه ويقضي حاجاته الأساسية , أما الرجل الغني في الدولة الفقيرة فهو معرض لكثير من المخاطر الناشئة عن الأمراض الاجتماعية , فما بالك بالأمر إذا لم تكن هناك دولة أصلا ؟!
إننا في حاجة إلى الالتفاف حول قواتنا المسلحة ورجال الشرطة في المواجهة الصريحة للجماعات الإرهابية والمتطرفة , وفي حاجة للعمل الجاد والعرق لدعم مسيرة الإنتاج والتنمية , وفي حاجة إلى تضافر جهود المؤسسات الدينية والثقافية والعلمية والتعليمية والتربوية والإعلامية لمواجهة الفكر المتطرف , والعمل على تفكيكه , وبيان زيفه وانحرافه وعمالته , في حاجة إلى أن نأخذ بأيدي العامة والبسطاء من أن يخدعوا بأي شعارات زائفة , وبخاصة أننا على أبواب إجراء انتخابات برلمانية هامة , وربما تكون الأهم والأخطر في تاريخ مصر الحديث والمعاصر , وعلينا أن نوجّه أسئلة واضحة للمرشحين يمكن أن تكشف الإجابة عنها اتجاهاتهم وتوجهاتهم , وأن نُصرّ على أن تكون الإجابات صريحة وواضحة وليست في المنطقة الرمادية , مهما كان حرج هذه الأسئلة لديهم , حتى يكون الناخب على بيّنة من أمره قبل الإدلاء بصوته , وحتى يُحاسَب الناجحون على ما قطعوه على أنفسهم وما أعلنوه واضحًا صريحًا وتم انتخابهم على أساسه , على أن يكون دور المحللين والمثقفين هو بيان ما يترتب على كل برنامج من مصالح أو مخاطر بإنصاف وحيادية تامة دون أدنى تحامل أو أدنى مجاملة .