مؤتمر الإفتاء
لم تعد المؤتمرات نزهة ، إنما هي عمل جاد ودءوب ، وله أهدافه وأبعاده ومراميه ، فلا شك أن إقامة المؤتمرات العلمية تحقق أهدافًا متعددة ، يأتي في مقدمتها الإسهام الجاد في ترسيخ دور مصر الريادي في الحركة العلمية والثقافية والفكرية ، وهو أشبه بالواجب علينا ، ولاسيما في القضايا الدينية التي تحمل مصر لواء الوسطية والاعتدال فيها بشهادة القاصي والداني ، هذا الدور الريادي أخذ يترسخ وبقوة بريادة الأزهر الشريف وتاريخها العريق ، وأوقافها وإفتائها ، وبخاصة في الآونة الأخيرة في إطار عملية التجديد والتصويب وتصحيح المسار التي دعا إليها وتبناها سيادة الرئيس / عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية ، ولا سيما في ضوء دور مصر الريادي في مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف على جميع الأصعدة : العسكرية ، والدينية ، والثقافية ، والفكرية .
إضافة إلى أن المؤتمرات العلمية سواء تلك التي يعقدها الأزهر الشريف ، أو وزارة الأوقاف المصرية ، أو دار الإفتاء ، لم تعد مجرد محفل علمي ينفض بانتهاء المؤتمر ، إنما هو عمل له ما بعده، إذ إننا نحرص جميعًا على تحويل توصيات مؤتمراتنا إلى برامج عمل ، وورش تدريب ، وأسس حوار بيننا وبين زملائنا وشركائنا في العلم الدعوي والإفتائي في مختلف دول العالم ، بتكامل وتنسيق صار موضع تقدير كثير من المتابعين لذلك على المستوى العلمي ، وأعاد مؤسساتنا الدينية المصرية إلى الريادة من جديد ، في كونها قبلة القاصدين من طلاب العلم الشرعي ورجاله على السواء ، مع تمنياتنا وأملنا أن تسهم توصيات مؤتمر دار الإفتاء في تحقيق رسالته ، وتحقيق ما خطط له من ضبط شئون الفتوى ، وتنسيق الجهود في إطار دور الأمانة العامة لدور الإفتاء على المستوى العالمي ، والتي تشرف مصر برئاستها ممثلة في فضيلة المفتي أ.د/ شوقي علام ، وباستضافة مقرها ، في ظل مكانة مصر التي تعد القلب النابض للعالم الإسلامي والمؤسسات الإسلامية .
وقد أكدت في كلمتي التي ألقيتها نيابة عن السيد المهندس / شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء على أن أمر الفتوى جلل ، ومسئوليتها عظيمة ، وأن انضباطها يسهم بقوة في انضباط واستقرار المجتمعات والأوطان والأمم وتحقيق السلام العالمي ، وأن اقتحام غير المتخصصين وغير المؤهلين لمجال الفتوى قد فتح على العالم كله أبوابا من الفتن والقلاقل أضحت في حاجة ماسة إلى جهود العلماء المخلصين والمؤسسات الدينية الوسطية لمعالجتها ، وكشف زيف وزيغ الفتـاوى المضللـة والجماعـات الإرهابيـة الضالـة ، وتعريتها دينيا وفكريا وثقافيا أمام العالم كله ، وبما يؤكد أن الإرهاب لا دين له ولا وطن له ، وأنه يشكل خطرًا داهمًا على الإنسانية جمعاء ، ويحتاج إلى تكاتف الجهود لمواجهته ، ولا سيما جهود العلماء المتخصصين لتفكيك مقولات الجماعات والعصابات والكيانات الإرهابية الضالة ، وكذلك مواجهة الأفكار الشاذة والمنحرفة التي تدمر المجتمعات شأن الأفكار المتطرفة سواء بسواء.
ولا شك أن تسارع وتيرة الحياة العصرية في شتى جوانبها العلمية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية يحتم على العلماء والفقهاء إعادة النظر في كثير من القضايا الحياتية في ضوء كل هذه المستجدات.
ومما لا شك فيه – أيضا – أن الإقدام على التجديد في القضايا الفقهية ، والنظر في المستجدات العصرية المتطلبة للاجتهاد والنظر أمرٌ ليس باليسير ويحتاج إلى جهود مضنية وبصيرة ثاقبة وعزيمة قوية لا تخشى في الحق لومة لائم ، وأنتم معشر العلماء والمفتين المتخصصين معقدُ الأمل في بيان وجه الحق دون إفراط أو تفريط أو تردد.
كما يطيب لي أن أحيي فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر في توصيته بإنشاء أقسام للفتوى من السنة الأولى بكليات الشريعة ، على أن يختار له الطلاب النابهون المتميزون ، وتوضع لهم البرامج المتميزة المؤهلة لتخريج مفتين متخصصين شديدي التميز ، وهو الأمر الذي نؤمل أن يدخل حيز التنفيذ في جامعة الأزهر الشريف بداية من العام الدراسي المقبل 2018/2019م ، لنؤهل جيلاً عظيمًا في مجال الإفتاء من جهة ، ونحكم إغلاق المنافذ على غير المؤهلين وغير المتخصصين من جهة أخرى ، فتحية لمؤتمر الإفتاء ودار الإفتاء المصرية على جهودها المتميزة في هذا المؤتمر ، وتحية لفضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر على توصيته الدقيقة المتميزة.