:أخبار وآراءمقالات

لقاء الآخرة

لقاء الآخرة

شرع الله لعباده سبل القرب من ربهم، والاقتداء بسُنة نبيهم (صلى الله عليه وسلم)، ونبَّه ربنا (جل وعلا) عباده على أن طريق الرجاء الحقيقي طريق بذل وعمل، وجد واجتهاد، فلا يكون المسلمُ راجيًا لله حقًّا حتى يكون عمله صالحًا، فالرجاء لله لا يكون إلا بعد الأعمال الصالحة، فيرجو من الله قبول ذلك العمل، والإثابة عليه؛ أما الرجاء مع التهاون وتعطيل الأوامر وارتكاب للنواهي، فتلك الأماني والغرور .
يأنس المؤمن المحب لله تعالى ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) بخلوته وأذكاره ومناجاته لربه ، فيحرص على الطاعات وأعمال الخير ؛ من تلاوة لكتاب الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار، وتهجد في الليل ، ومعاملة طيبة لخلق الله تعالى بأخلاق حسنة ، ولا تكون المحبة صادقة إلا إذا تمنى المحب لقاء حبييه ، فيصبر على المكاره والشدائد حتى يلقاه، فيبشر عند احتضاره بالقبول ، فعَنْ عَائِشَةَ (رضي الله عنها)، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وسلم): “مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللّهِ، أَحَبَّ الله لِقَاءَهُ؛ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللّهِ، كَرِهَ الله لِقَاءَهُ”، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللّهِ، أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ؟ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ! فَقَالَ: “لَيْسَ كَذَلِكَ؛ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللّهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللّهِ، فَأَحَبَّ الله لِقَاءَهُ؛ وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللّهِ وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ اللّهِ، وَكَرِهَ الله لِقَاءَهُ” (صحيح مسلم).
ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين خير بين الدنيا ولقاء الآخرة اختار لقاء الله على زهرة الحياة الدنيا، ففي الحديث أَنَّ رَسُولَ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ: “إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ الله بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ” فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، فَعَجِبْنَا لَهُ، وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، يُخْبِرُ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ الله بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، فَكَانَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هُوَ المُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا بِهِ.(صحيح البخاري) .
والناس عند لقاء الله في الآخر فريقان شقي وسعيد ، فريق في الجنة وفريق في السعير، أهل التقوى والخشية والعمل الصالح ، وأهل الفسق والفجور والخذلان ، قال تعالى : { يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 105 – 108] ، ويقول سبحانه: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا } [الانشقاق: 6 – 15] ، ويقول عز وجل: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلًا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} ﴿١٤٥ آل عمران﴾ .
ولقاءُ الله لقاء عظيم، لا يحُبب إلا لمؤمن، وقد دعا به رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) للمؤمنين حيث يقول: “اللهُمَّ مَنْ آمَنَ بِكَ وَشَهِدَ أَنِّي رَسُولُكَ، فَحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَكَ، وَسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَكَ، وَأَقْلِلْ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِكَ وَيَشْهَدْ أَنِّي رَسُولُكَ، فَلَا تُحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَكَ، وَلَا تُسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَكَ، وَأَكْثِرْ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا»(المعجم الكبير للطبراني)، ومن أراد السعادة في هذا اللقاء فعليه بالعمل الصالح والإخلاص في القول والعمل ، وحسن الظن بالله والعمل على مرضاته سبحانه وتعالى، يقول عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] ، ويقول تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ الله فَإِنَّ أَجَلَ الله لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: 5] .

أما أهل الخسارة والخذلان ، فقد ضل سعيهم في الحياة الدنيا ويحسبون أنهم يحسنون صنعا، فهم الذين لا يحبون لقاء الآخرة ولا يرجون فيه خير ، بل عاقبتهم الخزي، يقول سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [يونس: 7، 8]، ويقول عز وجل: {وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [يونس: 11]، ويقول تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ﴿١٤٧ الأعراف﴾، ويقول سبحانه: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا * يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا } [الفرقان: 21، 22] ، ويقول تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [فصلت: 54].

المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى