كيف تحمي أبناءك من الإرهاب ؟
لا شك أن هذا السؤال قد يُحمل على معنيين ، أحدهما : كيف تحمي أبناءك من أن يصيبهم خطر الإرهاب ؟ والآخر : كيف تحمي أبناءك من أن يكونوا إرهابيين أو أن يكون أحدهم إرهابيا ؟ والسؤالان بينهما علاقة وطيدة ، وهي ما يعرف في اصطلاح المناطقة بالعموم والخصوص المطلق ، فالأول أعم لأنه يشمل الفاعل والمفعول به ، وهما هنا سواء ، والثاني أخص لأن الإرهاب وإن كان لعنة على الفاعل والمفعول به ، فالطامة في الفاعل أشد عتوا وإجراما منها في المفعول به.
فلا شك أن خطر الفاعل على نفسه وعلى المجتمع والوطن والأمة وعلى الدين شديد التدمير ، والإجابة عن السؤال الأول هي الأسهل ، وإن كانت تتطلب التكاتف والتعاون والتنسيق في مواجهة الإرهاب والإرهابيين مواجهة صريحة وواضحة وحاسمة ، لا تردد فيها ، ولا تلون ، ولا مخادعة ، ولا حسابات سوى مراعاة مصلحة الدين والوطن ، على أن تكون المواجهة شاملة : فكرية ، وثقافية ، وعلمية ، وتربوية ، وأسرية وأمنية ، مع قطع جميع الطرق المؤدية إلى الإرهاب من التعنت والتشدد والغلو.
أما الإجابة عن السؤال الثاني فيما يتصل بحماية أبنائك وأهلك وذويك من أن تتخطفهم أيدي الإرهابيين ، فيجب عليك أن تراقب سلوك من يعنيك أمره على النحو التالي :
النظر في أحوال أصحابه وأصدقائه ومرافقيه ، ومن يترددون عليه أو يتردد هو عليهم ، فإن كانوا محسوبين على أيٍّ من جماعات الإسلام السياسي أو من يُعرفون بالانحراف عن طريق الجادَّة ، أو أعمال البلطجة أو المشبوهين ، أو وجدته يميل إلى الاجتماعات السرية ، أو أخذ الغموض يبدو على تحركاته ، فعليك أن تحسن مراقبته حتى تقف على حقيقة أمره ، وأن تنقذه من براثن الإرهاب قبل فوات الأوان .
وإن وجدت شيئا من الثراء أو السعة غير الطبيعية أو تغير في طريقة الإنفاق الزائد الذي لا يعد طبيعيا ، فعليك أن تنقّب وأن تبحث في مصدر هذه الأموال .
وإن كان ابنك يتغيب عن البيت تغيبًا غير معهود من قبل ، وبخاصة إذا تضمن غيابه مبيتا أو خروجا في أوقات غير طبيعية ، فعليك أن تعرف أين ذهب ؟ ومع من ؟ وماذا يصنع في غيابه ؟ وفي هذه الأوقات التي يتغيب فيها بطريقة مريبة أو مقلقة .
وإذا وجدت تغيرًا طارئا ومفاجئا في سلوكياته وتصرفاته سلبا أو إيجابا ، فعليك أن تبحث في أسباب هذا التغير .
وإذا وجدت الولد قد أخذ يكذب ويتمادى في الكذب ، فاعلم أن عدوى هذه الجماعات التي تستحل الكذب وتؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة قد انتقلت إليه .
كما يجب عليك أن تقترب من أبنائك وأن تناقشهم في الأمور العامة على أن يكون نقاشك هادئا وهادفا واستكشافيا ، وأن تعطيه الفرصة الكاملة ليعبر عن رأيه دون قهر أو كبت أو حجر على رأيه ، وأن تتحمل منه تحمل الصديق لصديقه أو الخادم لمخدومه حتى تصل من خلال الحوار العاقل معه إلى ما تريد ، حرصا عليه ، وحبًا له ، وأداء لواجبك تجاهه .
كما يجب عليك أن تكشف لهم عن حقيقة الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي لا تؤمن بوطن ولا دولة وطنية ، وأنها لا تخدم سوى أعداء الدين والوطن , وأنهم عملاء لمن يمولونهم , خونة لدينهم وأوطانهم , يستخدمهم أعداؤنا لإضعاف أمتنا وتمزيقها وتفتيت كيانها من جهة , وتشويه الوجه الحضاري النقي السمح لديننا الحنيف من جهة أخرى .
ولقد ذكرت مرارًا أن جماعة الإخوان الإرهابية هي الأب الروحي لجميع الجماعات والتنظيمات الإرهابية , وأنها الداعم والممول الرئيس لهذه الجماعات ، وأن أكثر التنظيمات الإرهابية إما أن تكون قد خرجت من رحم الإخوان أو ارتبطت به بأي لون من ألوان الارتباط ، وهو ما أخذت تؤكده تقارير ومقالات وصحف عالمية عديدة .
والذي ينبغي التأكيد عليه والتنبه له هو أن هذه الجماعات والتنظيمات احترفت الكذب والخداع، واستحلال الدماء والأموال , يلوون أعناق النصوص , ويحرفون الكلم عن مواضعه , يماسحك أحدهم مماسحة الثعبان , ويراوغك كما يراوغك الثعلب , ويقفز منك قفز القُنْفُذْ , يظهرون خلاف ما يبطنون , يعطونك معسول الكلام ومن خلفه السم الزعاف والموت الزؤام , ” .. هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ” (المنافقون : 4) , فهم كما يقول الحق سبحانه : ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ” (البقرة : 204 ، 205) .
وهناك أمر آخر وهو ضرورة رسم خريطة للتطرف وبيئاته وأسبابه وطرق ووسائل علاجه ، فالذي لا شك فيه أن بعض البيئات خاضعة للتطرف أكثر من البيئات الآخرى ، وأن بعض الجماعات والتنظيمات والجمعيات قد تكون مناخا أكثر خصوبة لإنتاج التطرف ، وهو يحتاج إلى مقال آخر إن شاء الله تعالى.