سيناء في القرآن الكريم
تحدث القرآن الكريم عن سيناء حديثًا يدعو للتأمل ، حديثًا يؤكد على أهميتها ومكانتها الدينية والتاريخية ، حديثًا يجعلنا نفكر مرات ومرات في ضرورة الاهتمام بها ، وتنميتها ، واستثمار مواردها الطبيعية ، ومعالمها السياحية : الدينية ، والطبيعية ، والعلاجية .
لقد أقسم الحق (سبحانه وتعالى) في كتابه العزيز بطور سيناء في قوله تعالى : ” وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ” (الطور : 1 – 5) ، مقدما القسم بالطور على ما سواه من الأمور الأخرى المقسم بها مع ما لها من مكانة أو قدسية ، بل إنه خصه بتسمية السورة كلها باسمه ” سورة الطور” .
ويقسم به الحق سبحانه صراحة محددًا ومخصصًا في كتابه العزيز في سورة ” التين” ، حيث يقول عز وجل : ” وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ” (التين : 1-3) ، مقدمًا القسم بطور سنين على القسم بالبلد الأمين مع ما لهذا البلد الأمين من قداسة ومكانة .
كما أشار القرآن الكريم إلى بعض ما بسيناء من الخيرات والبركات ، حيث يقول سبحانه : ” وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ ” (المؤمنون : 20) ، وفي هذه الشجرة كان يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” كلوا الزَّيْتَ , وَادَّهِنُوا بِهِ , فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ ” (رواه الترمذي في سننه) .
وبها البقعة المباركة التي عبر عنها القرآن الكريم في قوله تعالى في ثنايا الحديث عن سيدنا موسى (عليه السلام) : ” فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ” (القصص : 30) ، وبها الوادي المقدس طوى الذي عبر عنه الحق سبحانه في كتابه العزيز في خطابه لموسى (عليه السلام) : ” فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ” (طه : 11 ، 12) .
إن هذه المكانة التي خص بها الله (عز وجل) سيناء لتستحق منا جميعا أن نجعلها في قلوبنا ، وأن نحميها ونفديها بكل ما نملك .
ولا شك أن قواتنا المسلحة الباسلة تحمل ذلك بشجاعة فائقة على عاتقها ، وقد قدَّمت وما زالت تقدم تضحيات غالية من دماء أبنائها في سبيل الوطن بصفة عامة ، وفي سبيل الحفاظ على سيناء وتطهيرها من العناصر الإرهابية والإجرامية بصفة خاصة ، وهو ما يستحق التحية والتقدير من جهة ، والاصطفاف بقوة خلفها وتقديم كل الدعم اللازم لها من جهة أخرى ، سواء أكان هذا الدعم ماديًا أم معنويًا .
وفي محاولة منا لإلقاء الضوء على المعالم الدينية ، والسياحية ، والطبيعية ، والحضارية ، والتاريخية بشمال وجنوب سيناء ، قررنا في وزارة الأوقاف المصرية إقامة المسابقة العالمية للقرآن الكريم في مدينة شرم الشيخ بجنوب سيناء بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة ، ومحافظة جنوب سيناء ، وصحيفة الجمهورية ، التي ستكون أحد أهم الشركاء في المسابقة ، مع الإعداد لجولات لزيارة المعالم : الدينية ، والحضارية ، والسياحية ، والطبيعية بسيناء ، حيث يقوم ضيوف مصر من مختلف دول العالم بزيارة مدينة الطور ، وعيون موسى ، وسانت كاترين ، وغير ذلك من المعالم ، مع إطلاعهم على ما لهذه الأماكن من مكانة دينية وتاريخية.
على أن هذه المسابقة تخرج هذا العام في ثوب جديد بضمها فرعين جديدين ، هما : حفظ القرآن الكريم للناشئة تحت سن اثني عشر عامًا ، وفرع حفظ القرآن الكريم بحد أدنى ثلاثة أجزاء لمتحدي الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة ، وتأتي إقامة هذه المسابقة تأكيدًا على إيماننا بأن سيناء مدينة السلام وستظل بإذن الله تعالى ، وعلى أنها في قلب وعقل كل مصري ووطني مخلص ، وأن المحاولات البائسة لأعداء الإنسانية لن تثنينا عن تعمير سيناء وتنميتها والحفاظ على كل حبة رمل من ثراها العطر ، مؤكدين أن الشعب المصري مُنجب وولاد ، ولن تزيده المحن إلا قوة وصلابة وعزيمة وإصرارًا وتمسكًا بأرضه وعرضه ، مع حرص منقطع النظير على مواجهة الإرهاب واجتثاثه من جذوره .
وهنا يطيب لي أن أشيد بالسادة الأئمة الذين تتوالى طلباتهم للانتقال إلى أرض سيناء الغالية للعمل بها في مواجهة قوى التطرف ، كما أشيد بدور من يقومون بالقوافل الدعوية ، سواء تلك القوافل الداخلية لعلماء وأئمة الأوقاف بمحافظتي شمال وجنوب سيناء ، أم القوافل العامة التي تُسيّرها الوزارة إلى سيناء بصورة شبه دورية .