الجمال والبهجة والذوق السليم
الإسلام دين الحضارة والرقي , دين الكمال والجمال , دين البهجة والسعادة , وكل نصوصه وتوجيهاته وطرقه ومسالكه تؤدي إلى ذلك , بل إن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة قد أكدا هذه المعاني , حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : ” وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ” , ويقول سبحانه وتعالى : ” الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ” , ” وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ” , ويقول سبحانه وتعالى : ” وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ” , ويقول سبحانه : ” أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ” , ” مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ” , ويقول سبحانه في شأن السماوات العلا : ” وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ” , ” وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ”.
بل لقد أمرنا القرآن الكريم بأن نتجمل أحسن التجمل , وأن نأخذ زينتنا عند كل مسجد , فقال سبحانه : ” يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ” , وعندما قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ، قَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ ، يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ , الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقَّ وَغَمْطُ النَّاسِ ” ( صحيح مسلم ) , ولما أخبره سيدنا الْمُغِيرَةُ بْن شُعْبَةَ (رضي الله عنه) أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً , فَقَالَ له النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ” انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا ” (رواه الترمذي) .
وكان (صلى الله عليه وسلم) يحب الطيب , وقد دعا إلى طلاقة الوجه والمحيا , فقال (صلى الله عليه وسلم) : ” لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ” (صحيح مسلم) , وجعل إدخال السرور على الناس من أعظم القربات إلى الله (عز وجل) , فقال (صلى الله عليه وسلم) : ” من أدخل السرور على مسلم كان على الله (عز وجل) أن يرضيه يوم القيامة ” , وقال (صلى الله عليه وسلم) : ” وَاحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ (عز وجل) سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ” , ودعا (صلى الله عليه وسلم) أصحابه إلى لبس أحسن الثياب عند الجُمع والأعياد والمناسبات العامة .
على أن الجمال الحقيقي لا يقف عند حدود الشكل إنما يتجاوزه إلى جمال الجوهر , وجمال المعدن , وجمال الأخلاق , وجمال الطباع , يقول مصطفى صادق الرافعي (رحمه الله) : إن خير النساء من كانت على جمال وجهها في أخلاق كجمال وجهها وكان عقلها جمالا ثالثا , فهذه المرأة إن أصابت الرجل الكفء, يسرت عليه ثم يسرت ثم يسرت , ويقول الشاعر :
إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ |
فَكُـــــلُّ رِداءٍ يَرتَديـــــــــهِ جَميــــــــلُ |
تُعَيِّرُنــــــا أَنّــــا قَليــــــــلٌ عَديدُنــــــــــا |
فَقُلـــــتُ لَهـــــا إِنَّ الكِــــــرامَ قَليـــــــلُ |
وَمـــــا ضَرَّنــــا أَنّـــا قَليــــــلٌ وَجارُنـــــا |
عَزيــــــزٌ وَجــــــارُ الأَكثَريــــنَ ذَليـــــلُ |
فيجب علينا جميعًا أن نتجمل بجمال الإسلام في سمتنا , وفي مظهرنا , وفي بيئتنا , وفي مدارسنا , وفي معاهدنا , وفي حدائقنا , وفي متنزهاتنا , وفي أماكننا العامة , وألا نشوه معالم الجمال والبهجة بما ينفر الطبع السليم والذوق الراقي .
على أن من أهم معالم الذوق والجمال والرقي تخير الكلمة الراقية الحلوة الصافية , فقد مرَّ سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) على قوم يوقدون نارًا , فكَرِه أن يقول لهم : السلام عليكم يا أهل النار , إنما قال : السلام عليكم يا أهل الضوء , كما دعانا الإسلام إلى تخير الأسماء الحسنة ذات الدلالة الراقية , وأن نبعد الأسماء المنفرة , وعن كل ما ينفر منه الطبع والذوق والحس الإنساني السليم, وقد أمرنا القرآن الكريم أن نفعل ما هو أجمل , وأن نقول ما هو حسن بل ما هو أحسن , فقال سبحانه : ” وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ” ( البقرة : 83 ) , وقال سبحانه : ” وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” (الإسراء : 53) , فليكن شعارنا ” الذوق والرقي والجمال ” , فالذوق السليم الراقي هو القادر على الإحساس بهذا الجمال , وعلى إشاعته على من حوله وفي مجتمعه.