لا يمكن لرجال الدول أن يناموا كغيرهم نومًا طبيعيًّا أو حتى شبه طبيعي , وقد وصف الأستاذ / خالد محمد خالد في كتابه ” رجال حول الرسول سيدنا خالد بن الوليد (رضي الله عنه) فقال : رجل لا ينام ولا يترك أحدًا ينام .
وقد طالعت بعض الصحف الصادرة قبيل الذكرى الخامسة لثورة الخامس والعشرين من يناير 2016م , وما أبرزته هذه الصحف من يقظة رجال القوات المسلحة ورجال الشرطة وإحباطهم لمخططات الإخوان ومن يدعمهم أو يدور في فلكهم من المتربصين بأمن واستقرار مصرنا الغالية العزيزة الآمنة المستقرة بإذن الله تعالى , ووقوف هؤلاء الرجال الشرفاء من أبناء الجيش والشرطة كالصقور في الدفاع عن حمى الوطن ، ومعهم ومن خلفهم كل شرفاء هذا الوطن ومحبي ترابه وعاشقي ثراه ، فحاولت في هذا المقام أن أؤكد على ضرورة استمرار هذه اليقظة ، وبنفس الروح والكفاءة والاقتدار .
وبما أننا ندرك إدراكًا واعيًا أننا أمام أعداء كثر يتربصون بهذا الوطن من كل جانب وينتهزون أي فرصة أو غفلة أو غفوة للانقضاض عليه , فقد تأملت ذلك وتذكرت تحذير الله (عز وجل) لعباده المؤمنين بقوله تعالى : ” وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ” , فأدركت أننا جميعًا لا يجب أن نغفل أو نستكين ، لأننا أمام عدوٍّ شرس متربص بنا يود أن لو نغفل ولو لحظات لينقض علينا مُنَفّذًا ما رُسِم له من مخططات ، أو دبر لنا من مؤامرات .
على أن هذه اليقظة لا يجب أن تكون قصرًا على رجال الأمن وحدهم أو محصورة فيهم ، فكل منا على ثغر من ثغور الوطن فلا ينبغي أن يؤتى الوطن من قبله ، فالطبيب راع ومؤتمن على كل مريض أو مكلوم في هذا الوطن ، والمعلم راع ومؤتمن على كل عقل من عقول أبنائنا ، والتاجر ، والصانع ، والعامل ، والموظف ، والإداري ، والفلاح ، كل مؤتمن في حدود الأمانة التي ولاه الله إياها ، فإما حافظ وإما مضيع ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه : ” كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ” أي منجيها أو مهلكها ، ويقول الحق سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” ، ويقول سبحانه : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ” ، ويقول سبحانه ” يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ” ، فليعمل كل منا اليوم ما يحب أن يلقى الله به غدًا .
وهذا كتاب الله (عز وجل) يحذرنا من الغفلة عن ذكر الله ، أو الميل إلى أهلها ، فيقول سبحانه مخاطبًا نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ” ويقول سبحانه : ” وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى” ، ويقول سبحانه : ” أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ” ، فالسعيد من وعظ بغيره ، والشقي من وعظ بنفسه ، أي أنه لا يعتبر ولا يتعظ حتى يبغته الأجل ، فيندم حين لا ينفع الندم ، فيقول : ” رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ” ، وعندما نزل قول الله (عز وجل) : ” إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ” قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) (وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا) وَفي رواية : (وَيْلٌ لِمَنْ لَاكَهَا بَيْنَ فَكَّيْهِ وَلَمْ يَتَأَمَّلْ فِيهَا) ، فالغفلة مذمومة على كل حال سواء في أمر ديننا أم في أمور دنيانا .