الإسلام بين ظلمين
قد يُظلَم المرء أو الإنسان من أعدائه فيصمد أو يصبر ، غير أن الظلمَ الأشدَ مضاضةً والأكثرَ إيلامًا هو ظلم ذوي القربى ، على حد قول الشاعر العربي :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند
فكيف والإسلام واقع بين الظلمين جميعا ، ظلم أبنائه من جهة وظلم أعدائه والحاقدين عليه والمتربصين به والمسيئين إليه من جهة أخرى .
فمن الجهة الأولى نرى تلك التصرفات الهوجاء الحمقاء لبعض المنتسبين اسما وشكلا أو ظلمًا وزورًا إلى الإسلام ممن انتهجوا التكفير والتفجير ، والقتل والتدمير ، والإفساد والتخريب ، مسلكًا ومنهجًا ، وزيّن لهم الشيطان سوء أعمالهم ، فخدعوا أنفسهم وظلوا يتمادون في خداعهم وغيهم وعدوانهم حتى حسبوه الدين الذي يجب أن يتمسكوا به .
وفي الوقت الذي رفض فيه العالم الإسلامي والعالم العربي كلاهما هذا العدوان الآثم على المجلة الفرنسية وما تبعه من أعمال أخرى ينكرها الإسلام وسائر الأديان ، انتفض المسلمون في كل مكان يعلنون استنكارهم لكل هذه الأفعال الهوجاء ، وقد اصطحبتُ مجموعة من قيادات الأوقاف لتقديم واجب العزاء للسفير الفرنسي بالقاهرة وللشعب الفرنسي كله عبر سفارته بمصرنا الغالية ، وأكدنا خلال اللقاء أن ربط الإرهاب بالإسلام ظلم للإسلام ، كما أن ربطه بأي دين ظلم للأديان ، لأن الأديان كلها مُجمعة على حرمة الدماء والأموال والأعراض ، فالإرهاب لا دين له ، ولا جنس له ، ولا وطن له ، ويحتاج إلى اصطفاف إنساني قبل أن يستشري خطره فيأكل الأخضر واليابس في همجية ووحشية لا تبقي ولا تذر .
كما أكدتُ أن هذا الاعتداء الآثم قد حول المجلة التي كانت في موقع الجاني إلى ضحية ، وإن كانت لا تزال تعاود إساءتها وعنادها وعتوها واستكبارها في إعادة نشر الرسوم المسيئة لنبينا (صلى الله عليه وسلم) ، كما أنه حوّل المسلمين من موقع الضحية المجني عليه إلى جان متجاوز يقابل القلم بالرصاص ، على أن من قام بهذا الفعل هي قلة مارقة يعاني منها المسلمون أكثر من غيرهم إلا أن طوائف اليمين المتطرف ومن يقف إلى جواره من العدو الصهيوني يريد أن يعمم الصورة لتشويه صورة الإسلام والمسلمين .
وهنا أسجل عدة ملاحظات :
1- أولها : تأكيدنا على حرمة الدماء وعصمة الأنفس ، ونبذ كل ألوان العنف والتطرف والإرهاب ، والعدوان والاعتداء ، وأن الفكر يواجه بالفكر أو بالقانون لا بالدم ولا بالرصاص .
2- أننا نحذر من استفزاز مشاعر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، لأن الإساءة إلى الأديان وإلى نبي الإسلام تُعد أكبر زاد ووقود لتلك الجماعات المتطرفة ، بل إن قيامها بهذه العمليات الإرهابية تجاه من يسيئون إلى الإسلام أو نبيه قد يُكسبها شيئًا من التعاطف لدى من يقتنعون بفكرها ممن يتوهمون خطأ أنها تعمل للإسلام وتحارب أعداءه ، وتعمل على التمكين لدولة الخلافة المكذوبة التي يزعمون سهرهم على قيامها .
3- أن العالم المعاصر لا يمكن أن ينقسم إلى قسمين منفصلين منعزلين ، أحدهما : دول آمنة مطمئنة مستقرة ، والآخر : دول قلقة مضطربة غير آمنة ولا مستقرة ، لأن العالم صار أشبه ما يكون بقرية واحدة ، ما يحدث في شرقه تجد صداه في غربه ، وما يحدث في شماله ترى أثره في جنوبه ، ومن هنا فإن على عقلاء العالم وحكمائه العمل معا في اصطفاف دولي وإنساني لمواجهة الإرهاب بكل أشكاله وألوانه في مواجهة شاملة ، إذ إن العمليات الانتقالية في مواجهة الإرهاب لا تجدي ولا تسمن ولا تغني من جوع ، فالإرهاب كالسرطان وسائر الأمراض الخبيثة التي لا يصلح فيها ولا معها غير الاستئصال الكامل ، قبل أن تفسد حياة المرء كلها .
4- ينبغي أن ننظر إلى الإنسان كإنسان كما كرمه الله بغض النظر عن جنسه أو لونه أو دينه ، وأن نتعامل مع حقوق بمعايير ثابتة لا أن نتعامل مع حقوق الغرب بمعيار وحقوق الشرق بمعيار كما يفعل اليهود ويزعمون أنهم شعب الله المختار .
ونؤكد أن الأمم قد شبت عن الطوق ولم تعد تتقبل ما كان بالأمس من ازدواج المعايير والكيل بمائة كيل ، فعندما يعتدي على اليهودي أو الأبيض أو الأوروبي يكون الاعتداء مجرّما ومحرّما ومأثما ومرفوضا ومستنكرًا ومنبوذًا من الصغير والكبير ومن العالم كله ، وعندما يهدر الدم العربي أو الإفريقي أو المسلم لا يلتفت إليه إلا على استحياء ، وقد لا يلتفت إليه لا على استحياء ولا على غير استحياء ، مما يثير حفائظ تلك الشعوب والأجناس وأهل الديانة الذين يعاملون على أنهم بشر من الدرجة الثانية أو الثالثة .
5- ونرى أن الأمر صار يتطلب تشريعًا دوليًا يُجرّم ازدراء الأديان والرموز والمعتقدات الدينية ، كما نُؤمّل أن تكون هناك مساواة فعلية بين البشر في الحقوق والواجبات ، وأن يتخلص الناس من نظرات التكبر والاستعلاء أو الاحتقار والازدراء بعضهم تجاه بعض .