إلـى عــرفــات اللــه
إلى عرفات الله يممت وجهـتــي |
وأملـت في الرحمن غفـــران زلتــي |
وتـاقت نفوس العاشقين لمشعــــر |
عليه آمــال الخلـق ترنـــو لرحمــــــة |
يفيض بها الرحمـن عطفًا عليـهـم |
إفــــاضـــة إكــــرام عظيـــم ومنــــــة |
فـــلله در الواقفيــــن ودرنـــــــــــا |
إذا مَـــنّ رب العـــرش ثـَـمّ بتـــوبــــة |
لتمحو أثر الذنب مــن أعناقنـــــــا |
وترقى بمشتــــاق لأبــــواب جنــــــة |
فيارب فـــرج كربنـــــا وهمومنــــــا |
وتمــم زيـارتنــــا بأعتـــــاب روضــــــة |
بروضة أحمد خير خلقـك كلهــــــم |
وحقــق منــــاي بالبقيــــع وبغيتــــي |
إن الحج رحلة إيمانية , تهفو إليها نفوس المسلمين جميعًا , وهي أمل كل مسلم , سواء في مقتبل العمر أم في ختام رحلة الحياة , حيث يهب الناس رجالاً ونساء , آحادًا وجماعات , من كل فج عميق إلى بيت الله الحرام , استجابة لقوله تعالي : ” وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ” .
وتلك فرصة في العمر قد لا تتكرر , فالعاقل من اغتنمها , ولم يضيعها , وعمل بكل طاقته على التعرض لنفحات الله فيها , ” ألا إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ، ألا فتعرضوا لها , ألا فتعرضوا لها ” .
ومن أهم مظاهر هذا التعرض الخشوع والخضوع لله , وكثرة الذكر والثناء عليه , وقد سئل سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة , فقال : ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيئ قدير ” ، فقيل له هذا ثناء وليس بدعاء , فقال يقول الله (عزّ وجلّ) في الحديث القدسي ” مَنْ شغَلَهُ ثَّنَاؤُه عَلَيَّ عَنْ مَسْأَلَتِي ، أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ ” ، ثم ذكر قول أمية بن أبي الصلت :
أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي |
حَيَــــاؤُكَ إِنَّ شِيمَتَكَ الْحَيَاءُ |
وعلمك بالحقوق وأنت فرع إذا أثنـى عليك المــرءُ يوماً |
لك النسب المعلى والثنـــاء كفــاه مِــن تعـرُّضِـــه الثَّنــــاءُ |
فإذا كان هذا مع الخلق , فكيف بأكرم الأكرمين ورب العالمين وخالق الخلق أجمعين ؟
وهنا ينبغي أن يركز الحاج دعاءه على طلب الرضا والقبول , والدعاء بحسن الخاتمة وتيسير الوصول , وعليه ألا يكف عن الدعاء لوطنه بالسلامة والأمن والاستقرار , وللعصاة بالهداية والبعد عن مسالك ومصائد الشيطان , وللقادة المصلحين بالسداد والتوفيق والوصول بالوطن إلى بر الأمان .
ونوجه النصح للمتهيئين للحج والصاعدين إلى عرفات الله ، قبل السفر برد المظالم ، والبعد عن الحرام ، والتطهر منه ، ورد الأمانات ، وإنهاء الخصومات ، وتجديد النية لله ، وعدم اصطحاب ما هو ممنوع من الدواء ، أو الانشغال بحمل الزائد من المتاع الزائل ، لا ذهابًا ولا عودة ، فرحلة قد لا تتكرر لا ينبغي لعاقل أن ينشغل عنها ببيع أو شراء ، أو إثقال كاهل بحمل أمتعة له مندوحة كبيرة وبدائل كثيرة عن حملها ، أهمها توفر هذه السلع وما يقوم مقامها بأسعار منافسة أو أقل في مصرنا العزيزة .
كما أنَّ على الحاج أثناء حجه أن يبتعد عن الخلاف والشقاق والمشاحنة والأذى والمزاحمة التي تضر الآخرين ولو بحجة الوصول إلى الحجر أو الأركان أو الملتزم ، فسلامة الحجاج وكف الأذى عنهم أولى مائة مرة من المزاحمة على الحجر أو الدفع للوصول إليه ، إذ يكفي لمن لا يتيسر له الوصول أن يشير إليه ، فالشريعة قائمة على التيسير ورفع المشقة ، والحج قائم على ” افعل ولا حرج ” .
ثم إنَّ على الحاج أن يتحلى قبل سفره وأثناء سفره وبعد عودته بمكارم الأخلاق ، فثمرة الحج مرتبطة بهذه الأخلاق بل معلقة عليها ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” من حج فلم يرفث ولم يفسق ولم يجهل ولم يصخب رجع كيوم ولدته أمه ” .
وإذا أراد الحاج أن ينظر في علامات قبول حجه ، فلينظر أول ما ينظر إلى حاله قبل الحج وحاله بعد الحج ، فإن وجد رغبة شديدة وحبًا في مكارم الأخلاق وإقدامًا عليها ، فتلك من علامات القبول وانشراح الصدر ، وإن وجد غير ذلك فليراجع نفسه ، وليسأل ربه الهداية إلى الخير ومكارم الأخلاق ، وليجدد النية وليصححها ، لأنَّ العبادات إذا لم ينطبع أثرها في سلوك الفرد وأخلاقه فلم ينتفع بها لا في أمر دينه ولا في أمر دنياه ، وقد جعل نبينا (صلى الله عليه وسلم) الوصول بالناس إلى الخلق الكريم هدفًا وغاية لرسالته ، فقال (صلى الله عليه وسلم) : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق “ .